البطولة الأفريقية.. كرة قدم وأشياء أخرى!
تنطلق مساء اليوم كأس الأمم أفريقيا لكرة القدم لعام 2019. وكان مقررا لهذه الدورة أن تستضيفها "الكاميرون" حاملة اللقب في ٢٠١٧، إلا أنها انسحبت وتم إسناد التنظيم إلى "مصر" في يناير، أي قبل أقل من ٦ أشهر من إقامة البطولة.
ولهذه البطولة سمات خاصة بها، فهي تعقد لأول مرة في أشهر الصيف (يونيو ويوليو)، بدلا من أشهر الشتاء (يناير وفبراير)، وتشهد زيادة الفرق المشاركة من من ١٦ إلى ٢٤ فريقًا. ولذا فإن قبول تنظيم البطولة، في هذه الظروف الاستثنائية، يمثل تحديا كبيرًا لمصر ويجب أن تتضافر كل الجهود لإنجاحها تنظيميا وجماهيريا، وأن تحقق لمصر بعدا أفريقيا، يضاف إلى رئاستها لمنظمة الاتحاد الأفريقي، ويعيدها إلى قلب القارة السمراء بعد عقود من الجفاء والقطيعة.
وتعتبر البطولة الأفريقية لكرة القدم هي ثالث أكبر مسابقة عالمية، بعد مسابقة كأس العالم ومسابقة الاتحاد الأوروبي، وتلقي البطولة زخما إعلاميا واسعا، وبث مباشر إلى جميع دول العالم. البطولة تتبع الاتحاد الدولي لكرة القدم والذي يضم في عضويته اتحادات 207 اتحادات من كل دول العالم، أي أكبر من تجمع الأمم المتحدة والذي يضم في عضويته ١٩٥ دولة فقط.
ونظرا لأن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى عالميا، ويتابعها ويهتم بها أكثر عدد من سكان الكرة الأرضية، فقد تخطت كونها لعبة رياضية، وأصبحت في غير قليل من الاحيان لعبة سياسية، وأصبحت أيضا بيزنس وسياحة وتجارة، وأشياء أخرى.
وتاريخيا، فقد تم استغلال الرياضة في إصلاح ما أفسدته السياسة مثل ما حدث سنة 1971 والمعروف بـ "دبلوماسية البنج بونج"، حين زار فريق البنج بونج الأمريكي جمهورية الصين الشعبية بعد قطيعة استمرت لأكثر من٢٠ عامًا، بسبب الحرب الكورية وحرب فيتنام، واستقلال تايوان عن الصين، وكان التصالح بين الدولتين هو نتيجة هذه المباراة.
وعلى النقيض فقد تم اقحام السياسة في الرياضة ومحاولة تحقيق منافع سياسية عن طريق الرياضة في العديد من الأحداث الدولية.
فمثلا أدرك "هتلر" و"موسوليني" قيمة الرياضة في تعزيز الكرامة الوطنية واكتساب الرأي العام والفوز في الانتخابات. وقد عزز "موسوليني" موقفه بعد حصول إيطاليا على كأس العالم مرتين في عامي 1934 و1938، بينما عزز "هتلر" موقفه بعدما أصبحت ألمانيا بطل الأولمبياد عام 1936.
وهناك أيام لا تنسى في تاريخ كرة القدم، فأحد أعنف مباريات كرة القدم هو ما يعرف بمعركة سانتياجو في٢ يونيو عام 1962 حينما واجهت تشيلي إيطاليا، في كأس العالم في تشيلي. وتوصف هذه المباراة بأنها الأسوأ في تاريخ اللعبة نظرا للعنف المتعمد الذي شهدته، مما استدعى إدخال نظام البطاقات الصفراء والحمراء.
وهناك حروب قامت بسبب كرة القدم حيث وقعت مواجهات عسكرية بين "هندوراس" و"السلفادور" وذلك بعد سلسلة من المباريات بينهما سنة 1969، وتسببت الحرب بين البلدين في وفاة نحو ألفي قتيل. وكانت هناك أيضا مباراة بين "الأرجنتين" و"إنجلترا" في كأس العالم بالمكسيك عام 1986، والتي أعقبت حرب "جزر الفوكلاند" بين البلدين سنة ١٨٨٢. وفي هذا اللقاء سجل مارادونا هدفه الشهير بيده، وهو أشهر هدف جاء باليد في تاريخ كرة القدم.
وهناك مجازر حدثت بين المشجعين في مباريات دولية ومحلية، أشهرها كارثة ملعب "هيسل" في بروكسيل في 29 مايو 1985، عندما انهار جدار تحت ضغط الجمهور كنتيجة لأعمال شغب قبل بداية مباراة نهائي كأس الأندية الأوروبية بين نادي ليفربول ونادي يوفنتوس، أدى إلى وفاة 39 شخصا.
وتجاريا، أصبحت كرة القدم حرفة ومهنة وبيزنس يقدر بمئات المليارات من الدولارات كل سنة، وأصبحت قيمة تذكرة حضور المباريات باهظة، وحقوق البث حصرية لشركات بعينها، وأسعار اللاعبين بمئات الملايين، وأصبح لمصر نجم ذهبي "محمد صلاح" ينافس على لقب أحسن لاعبي العالم، ويفوز بلقب الهداف في الدوري الإنجليزي وأحسن لاعب أفريقي لموسمين متتاليين.
وتحولت الرياضة من كونها نشاطا إنسانيا ضروريا للحفاظ على صحة الإنسان الجسمانية والنفسية، وطريقة للتآلف والمحبة بين البشر، والتنافس والعرق في ميادين الرياضة بدلا من الموت والدم والخراب في الحروب، إلى نشاط لا يخلو من الانتهازية السياسية والتجارية.
وأخيرا، تبقى هذه الدورة لكأس أمم أفريقيا لكرة القدم فرصة عظيمة لمصر والمصريين لإظهار الوجه الحضاري لهذا البلد العظيم، وفرصة للترويض عن النفس وقبول الفوز والهزيمة، والاستمتاع بالمواهب التي منحها الله لبعض البشر من طاقات ومواهب غير عادية تتنافس داخل المستطيل الأخضر ويتابعها العالم من مصر، مع كل ما يصاحب ذلك من دعاية وسياحة ورواج اقتصادي. مع أطيب التمنيات لفريقنا القومي بأداء طيب ونتائج جيدة.