لماذا تجاهلت الرئاسة أردوغان؟
حسنا فعلت مؤسسة الرئاسة عندما لم تلتفت إلى هذيان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، تعقيبا على خبر وفاة القيادى الإخوانى محمد مرسي أثناء إحدى جلسات محاكمته، حيث إن ما ورد على لسان الرئيس التركى يعد من قبيل الكلام الرخيص، ولا يليق بمؤسسة الرئاسة المصرية أن تلتفت إلى كلام رخيص، وحسنا فعلت الأحزاب السياسية المصرية عندما ردت على هذا العته التركى.
موقف الأحزاب السياسية المصرية يؤكد من جديد أننا بحاجة إلى تشغيل آلة السياسة وماكينة العمل الحزبى، والاهتمام بالمعارضة الوطنية، التي تقوم بدورها سواء في مثل هذه المواقف أو في مواقف أخرى تتعرض لها الدولة المصرية في ظرف إقليمي ودولي استثنائى، وحتى يكون هذا الدور منطقيا وفاعلا ومؤثرا، لابد وأن تتسع مساحة العمل السياسي الحزبي لتكون نبراسا يساهم في حراك سياسي فاعل وقوى وقادر على تحمل مسئولياته.
وحتى يصبح هذا الدور مكملا لجهود الدولة المصرية في مواجهة الظروف بالغة الصعوبة دوليا واقليميا، فإن اتساع مساحة الحرية والتحرك في الشارع يعد ضرورة من أجل حماية استقرار الدولة، وتفعيل أدواتها في الرقابة والنقد البناء، وتقديم بدائل مهمة تساعد الحاكم في أداء مهمته التي تحيط بها ألغام وصراعات لم تعد خافية على العامة والخاصة، خاصة تنامي الصراع بين الأقطاب العالمية الكبرى.
وتاريخيا يذكر للمعارضة المصرية أنها باركت خطوات الرئيس السادات في حربه من أجل تحرير الأرض بمعارك دبلوماسية لا تقل ضراوة عن الحرب بمفهومها التقليدى، عندما قرر زعيم المعارضة الراحل مصطفى كامل مراد الذهاب مع الرئيس السادات إلى القدس، صحيح كانت هناك رؤى مختلفة لأحزاب أخرى في الساحة، غير أن السادات نفسه استفاد بحنكة السياسي المخضرم، ورجل الدولة الماهر من معارضة بعض الأحزاب لاتفاقية كامب ديفيد.
حررنا الأرض، وبعد التحرير الجزئى لها تعرض رئيس البلد لواحد من أبشع الحوادث الإرهابية في التاريخ، عندما اغتالته يد الإرهاب الآثم، ووقفت المعارضة المصرية موقفا مصريا خالصا، برفض الإرهاب وإدانة اغتيال بطل الحرب والسلام، وظهرت لُحمة المجتمع السياسي ساعتها في أبهى صورها، حتى عبرت البلاد هذه المحنة، وبدأت الدولة ممثلة في أعلى سلطتها ومعها الأحزاب السياسية استكمال معركة تحرير الأرض، ومعركة مواجهة الإرهاب في نسخته الأولى مع نهايات السبعينيات وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين.
في كل المواقف كان للمعارضة المصرية دور بارز في مساندة الدولة، ورغم الضربات التي توالت على الحياة الحزبية إلا أن ذلك لم يمنعها من القيام بدورها الوطنى حتى قيام ثورة يناير، عندما تنبه النظام ساعتها إلى حاجته لحوار وطنى، بينما كان ميدان التحرير يغلى، بعد أن فقدت المعارضة المصرية قدرتها على التأثير في الأحداث بفضل انسداد الطريق أمامها، والقضاء على فكرة تداول السلطة وشيطنة المعارضة، ساعتها أدرك مبارك حجم الجرم الذي ارتكبه مع الحزب الوطنى الذي تغول على الحياة السياسية، فلم يقتنع الشارع المصري في حينها بفكرة الحوار الوطنى وكان ما كان.
المواقف التاريخية تفرض علينا تقوية المعارضة من أجل استقرار النظام، وتحمل المسئولية الوطنية لكافة التيارات السياسية في الشارع، انطلاقا من النظام السياسي القائم على التعددية..أما ترك الأمور على ما هى عليه من ركود في الحياة الحزبية، وضعف في الأحزاب السياسية، وإنتاج نفس نموذج ما قبل ٢٥ يناير فإنه لن يؤدى إلا إلى معارضة ضعيفة تأخذ من النظام دون أن تضيف إليه.