التهمة زوج
عادات وتقاليد وأعراف ربما حلت محل حقوق شرعية؛ كانت وراء استحداث أزمات موثقة وممهورة بتوقيعات أطراف علاقة الزواج؛ أبرزها قائمة المنقولات وتكاليف المعيشة.
قائمة المنقولات كانت بديلا مجتمعيا غير موفق للمهر وتأثيث بيت الزوجية، وظلت تمثل نوعا من الابتزاز والتحايل على الشباب وأوضاع بعضهم الاقتصادية على تفاوتها؛ لما ترتب عليها من شعور طرف "الزوجة" بتفوق مسبق ومجاني على شريك الحياة.
آية ذلك؛ أن جعلت الأسر المصرية قائمة المنقولات، بما يتفق وطبيعتها القانونية، بمثابة شيك أو إيصال أمانة على أزواج بناتهم، كثيرا ما جرى استغلاله في عمليات إخضاع وإذعان وإذلال وصلت درجة الحبس وتخريب علاقات كان يمكن ضبطها، وتجاوز خلافات بسيطة بشأنها لولا تداخل أطراف معادية لاستقرار البيوت، ومع صلاحيات قضاة محاكم الجنح القانونية جاز لزوجات تحويل أزواجهن إلى مجرمين مبددين خائنين للأمانة، بينما لايزلن يجمعهن برجالهن أربعة جدران انتهت الطمأنينة بينهم داخلها.
فنون وكلاء قانونيين متنوعة في محاولة شيطنة نساء لديهن من الإصرار على تخريب بيوتهن دون داع، يدعمهن في ذلك أن القانون لا يعرف زينب لكنه يقر بمكتسباتها من تلك الأعراف البالية، فلا توجد فرصة لتناول قائمة المنقولات ومعاملتها قانونا كجزء من التعاقدات الملحقة بوثيقة الزواج، سوى ضبط شروطها وبنودها حال تمسك أهل العروس بها، وبينها أن تظل المنقولات أمانة فعليا لدى الزوج على أن تستردها الزوجة عند وقوع أحد الأجلين؛ الطلاق أو وفاة زوجها.
أمام أقسام الشرطة، نشهد يوميا مواقف مضحكة مبكية؛ نساء رغم إظهارهن مطالبتهن بحقوقهن القانونية في قائمة المنقولات، إلا أنهن يرفضن استلامها من بيوتهن ولا يقبلن بغير مرمطة الزوج على المشاع أمام المارة؛ وربما ابتكرن حيل إنكار تبعية بعض المنقولات لهن فيعطلن استلامها بإيعاز من ذويهن أو وكلائهن القانونيين بغرض حبس الرجال والتشهير بهم.
كما لا تخلو مواقف النزاع حول قائمة المنقولات من إصرار زوجات على إنكار خروجهن من بيوتهن دون مشغولاتهن الذهبية لصيقة الصلة بتنقلاتهن، وهى غالبًا جزء من بنود القائمة، ومع ارتفاع أسعار الذهب يعدن المطالبة بأوزانه المدونة قانونا إمعانًا في التنكيل بالزوج، ويصلن حد اللدد في الخصومة حينما يقمن باستغلال حقوق مقابلة فيما تسمى بنفقة "فرش وغطاء"، رغم أنهن تركن الرجال بعد الطلاق "على البلاطة"، وربما دون مسكن إذا ما كن حاضنات متمكنات من شقة الزوجية.
رجال من نفس العينة، يجيدون التحايل على حقوق زوجات مشاركات في تأثيث المنزل، يستبدلون أثاث البيت قبل تسليمه قانونا، وربما يتعنتون في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بالاسترداد أو الحبس ويسقطون تلك الأحكام بانقضاء المدة القانونية لها، ويضيع حق الزوجات في "دين" قائمة المنقولات.
هذا الدين، يمكن الاحتفاظ به على طول العلاقة حقا للزوجة إذا ما تم تقنينه كدين مدني لا سقوط له، ولا يغني عنه تحرير إيصالات أمانة بيد العروس أو والدها عند إتمام الزواج، وهنا وضع المنقولات وأيلولتها كجزء من شروط وبنود عقد الزواج، في وثيقة تعاقد مدني حر، تجعل الوصول إلى الحق فيها سهلا عند فض تلك العلاقات لا قدر الله، فصياغة العقود بدقة تعني احترام حقوق كافة الأطراف وقت الخلاف وسهولة الوصول إليها.
الرضا بالمعيشة المبسطة، جزء من حلول تاريخية عبقرية ارتضى بها البسطاء القدامى من أهالينا قبل زمن خراب الذمم، معهم كانت مشاهد التشارك والرضاء والكفاح، أروع وأكثر جدية في قراءة واقع الحياة وتقلباتها، مع أفكارهم البسيطة كانت الحياة أسهل وأقل كلفة، وكانت العقول أكثر إراحة لأصحابها، كما كانت طبيعة التأثيث ذاتها لبيت الزوجية أكثر تعاطيًا مع طبيعة البشر وحفاظا على كفاءة أعضائهم وصونا لحالتهم النفسية.
من غير المقبول أن تظل عبارة "بنشتري راجل" مرهونة بابتزازه وإذلاله مسبقًا؛ ومن غير المنطقي تغييب حلول جادة في ضمانات أفضل لحقوق النساء والأطفال في بيوت مستقرة بعقود منطقية بنودها تتفق ومصلحة أطرافها وحقهم في حياة بلا نزاع جاهزة أسبابه، كما لا يصح الإبقاء على تهمة ملتصقة بالرجال تتلخص في أنهم أصبحوا أزواجًا وأرباب بيوت يوما ما؛ لمجرد إرضاء أصحاب تقاليد حمقاء أتت على ما كانت تتمتع به بيوتنا من طمأنينة.