"جن" الجنس والإباحية اخترق الأردن
اختراقان مهمان شهدتهما المنطقة العربية لهما مدلولات عدة، إيجابي في الإختراق الأول وسلبي في الثاني. لكنهما يؤشران لتغيرات تموج بها بلداننا، ويجب الانتباه إليها في عصر الحروب الحديثة.
الاختراق الإيجابي جاء من السعودية، التي تشهد "نفضة" على جميع الأصعدة، تخلع معها ثوب التشدد وتحريم جميع مظاهر الحياة، التي فرضها تيار "الصحوة" عشرات السنين، وتتجه صوب الحياة الطبيعية المعتدلة، وتستفيد من مليارات كان ينفقها الشعب سنويًّا في دول العالم.
لم تقترب الحفلات الغنائية والأنشطة الفنية والترفيه المستمر على مدار العام في المملكة بجميع مناطقها من مدينة "بريدة"، عاصمة منطقة القصيم، لأنها معقل المتشددين، وينتمي لها أشهر دعاة تيار "الصحوة"، لكن "بريدة" لم تعد عصية على الترفيه والفرح، بعد الإعلان عن حفل غنائي هو الأول من نوعه لنجمي المملكة "محمد عبده" و"خالد عبدالرحمن"، وكانت المفاجأة أن نفدت التذاكر كاملة في 21 دقيقة، ومطالبة جمهور المدينة بمقاعد إضافية ليتمكنوا من الحضور.
أقيم الحفل في ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية، بحضور آلاف من أبناء "بريدة"، ترافقهم زوجاتهم ونساء من أسرهم، وتألق "عبده" و"عبدالرحمن" في ليلة اعتبراها اختبارًا لهما في معقل المتطرفين، وتكلل الحفل بنجاح باهر، لم يتوقف خلاله الحضور المنتشي عن ترديد الأغنيات والهتاف والتمايل على إيقاع الموسيقى إلى نهاية السهرة، التي سيعقبها الكثير بعد التغلب على حظر فرضه دعاة "الصحوة" على الفنون والغناء، وقيدوا الحياة في المجتمع بفتاوى متطرفة.
أما الاختراق السلبي فحدث في الأردن، من قبل شبكة "نتفليكس" الأمريكية، التي اختارت المملكة الهاشمية مسرحًا لتصوير وإنتاج أول مسلسل عربي بعنوان "جن"، تعرضه مترجمًا إلى لغات عدة، واختارت لبطولته شبابًا أردنيين من الجنسين دون العشرين ربيعًا، وصورت أغلب المشاهد بميزانية كبيرة في مدينة "البتراء" الأثرية.
رافق الإعلان عن أول إنتاج أمريكي باللغة العربية حملة إعلامية كبيرة، وفرح الأردنيون بوصولهم إلى العالمية، واعتبروا المسلسل خير ترويج لآثار المملكة، وقبل بدء عرض المسلسل بيوم واحد أقامت "نتفليكس" حفل كبير في عمان.
لكن كانت الصدمة مع عرض الحلقة الأولى المليئة بالمشاهد الجنسية المخلة بالآداب والألفاظ الإباحية، والعلاقات المفتوحة بين طلاب مدرسة ثانوية من الجنسين يزورون مدينة البتراء، ويكتشفون جنيًا في المدينة الأثرية.
الصدمة لم تكن سهلة على جمهور الأردن وهو يشاهد العمل، إذ لم تراعِ الشبكة الأمريكية أن الأردن، رغم التحضر والحداثة، يظل مجتمعًا عشائريًا تحكمه عادات وتقاليد لا تقبل بهكذا طرح درامي، ولا مشاهد جنسية أو حتى ألفاظ إباحية بذيئة.. لذا ضجت المملكة شعبيًّا وبرلمانيًّا بانتهاء الحلقة الأولى، رفضًا لما تضمنته، وكانت الدعوة لإيقاف عرض المسلسل المسيء ومحاسبة المسؤولين عنه، لأنه يصور الإباحية والجنس بين المراهقين على أنه ظاهرة في الأردن.
اتفق الغالبية على أن المسلسل لا يُعتبر عملًا دراميًّا، وإنما مشاهد مجتزأة من أعمال عالمية أُلبست ثوبًا أردنيًّا، لكسر منظومة القيم والعادات والتقاليد الأردنية، عن طريق استهداف فئة المراهقين ببث أفكار غريبة لا يقبلها المجتمع المسلم. كما وضح من تركيبة الحوار أن المشاهد تم كتابتها بالإنجليزية، وتُرجمت إلى اللهجة الأردنية لتحقيق هدف معين ونشر أفكار تتعارض مع الدين والقيم العربية.
مقابل الضجة التي اجتاحت الأردن رفضًا لمضمون "جن"، وفي محاولة لتهدئة الرأي العام، قرر المدعي العام اتخاذ إجراءات إيقاف عرض المسلسل، لحسم الجدل وإنهاء تبادل الاتهامات بين الجهات الرسمية وتصاعد المطالبات بمحاسبة المسؤولين، لكن ظهرت إشكالية عدم القدرة على المنع لأن الشبكة الأمريكية لا تخضع للرقابة وتعرض أعمالها عبر موقعها وتطبيقاتها الشهيرة.
لم يقتنع البرلمان بتبادل الاتهامات بين الجهات الرسمية التي وافقت على العمل، ومنحته تراخيص التصوير في المملكة، بل وروجت له، وعلى الفور استدعت لجنة التربية والتعليم والثقافة ولجنة التوجيه الوطني، وزراء الشئون السياسية والبرلمانية، وزير الثقافة، وزير الشباب، وزير الدولة لشئون الإعلام، مدير هيئة الإعلام بالوكالة، ممثلين عن الهيئة الملكية للأفلام، وهيئة تنشيط السياحة للوقوف على حيثيات المسلسل.. الذي نُفذ بإشراف كوادر أردنية وبالتعاون مع شركة لبنانية، ولاقى ترحيبًا حكوميًّا سبق العرض بأشهر، ممثلا بشخصيات رسمية وإعلانات عبر بعض مواقع الوزارات. كما قدمت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وهي المعنية بمنح تصاريح الأعمال الفيلمية، تسهيلات وتصاريح لمنتجي المسلسل، بالتعاون مع مفوضية سلطة إقليم البتراء المعنية بإدارة شئون المنطقة والذي نُفذ المسلسل فيه، لكن الأخيرة تبرأت من المسلسل بعد الحلقة الأولى، وحملت الهيئة الملكية للأفلام مسئولية منح الموافقات على تصويره، فتنصلت الهيئة الملكية للأفلام وهيئة تنشيط السياحة من مسئولية الرقابة على المسلسل، الذي لا يدخل ضمن صلاحياتها.
أما "نتفليكس" التي اخترقت الأردن بالإباحية والجنس، فردت على الضجة: "ندرك أن محتوى "جن" قد يكون مثيرًا للجدل بالنسبة للبعض، لكننا نعمل على توفير مساحة آمنة لكل محبي المسلسلات والأفلام في المنطقة، والنقطة الأهم بالنسبة لنا في المسلسل هي تصوير الشباب العربي وهم يواجهون بعض القضايا العالمية، مثل التنمر والحب والتقدم في سن المراهقة".