صفعة "الممر" !
تعرفونهم كما نعرفهم.. بالاسم وبالرسم.. والقصة باختصار حتى لا نتوه ولا تتوه التفاصيل تقول: وحدة خاصة بالحرب النفسية بالموساد الإسرائيلي كانت تتبع قسم المعلومات، ثم تحولت إلى قسم مستقل.. قبل "نكسة" يونيو كان هدفها إحباط المحيط العربي حول إسرائيل، وبعد 67 كانت الفرصة أفضل لهم لاستخدامها لتركيع العرب نفسيا، ومصر الهدف الأول والأهم..
الشعب المصري أدرك في اللحظات الأولى معنى ما جرى في 5 يونيو.. حتى أن الكاتبة الكبيرة "فريدة الشوباشي" -عاشقة الوطن والجيش- تروي عن زوجها الكاتب الراحل "على الشوباشي" أنه في ليلة النكسة قال لها حرفيا: "الغرب يفعل مع "عبد الناصر" كما فعل مع "محمد على""!
ممنوع التقدم.. ممنوع بناء دولة كبيرة.. فخرج الشعب في 9 و10 يونيو يرفض الهزيمة، ويرفض استقالة "جمال عبد الناصر"، الذي أعلن مسئوليته عما جرى.. وغنت "أم كلثوم" رائعتها المبكية وفيها إدراك المعنى كله الذي جرى بعد ذلك من وقتها وحتى "الممر"، فأنشدت من لحن "السنباطي"، وقالت: "قم واسمعها من أعماقي.. فأنا الشعب.. ابقِ فأنت السد الواقي.. لمنى الشعب"..
وظلت تغني حتى البيت الذي يقول: "قم لله وقل للناس.. قل للعصر.. رغم الجرح ومُر الكأس.. عاشت مصر وغدا ستؤذن في الناس طلع الفجر.. وغدًا ستحيي الأجراس يوم النصر.. قم إنا أعددنا العدة.. قم إنا أعلينا الوحدة.. فارسم أنت طريق العودة وتقدم يتبعك الشعب"!
وبعد أيام كانت بالفعل معركة "رأس العش" الأسطورية، التي جن بها جنون العدو فكيف لجيش تعرض لمثل هذه النكسة أن ينتصر في معركة بعد أيام؟! من أين جاءت الإرداة؟! من أين جاء الأمل والصمود؟! واستمر الحال كذلك إلى عشرات ومئات المعارك الأخرى، بُني فيها حائط الصواريخ ومعارك الاستنزاف الكبرى الممتدة من إيلات وسيناء حتى تدمير الحفار في أبيدجان!
تعالوا معا لنذكركم بالأقلام الخبيثة الخسيسة التي راحت تقدم خدماتها الجليلة لوحدة الحرب النفسية بالموساد.. ومنها من حوَّل النكسة بوقاحة، وفي صحف معروفة، بعضها لأحزاب شهيرة إلى "زفة سنوية"، لم يدرك حجم الخطيئة.. ولم تفعل شيئا طوال سنوات إلا الكتابة عن "الهزيمة"، ويرفضون، مثل إسرائيل، مصطلح "النكسة"، وهو الأدق لأن الهزيمة محصلة نهائية للحرب كلها، أما الانتكاسة فهي وصف لجزء منها.. وظلوا طوال سنوات لا عمل لهم إلا الحديث عن النكسة والمرارة والركوع والخضوع والذل إلى آخره..
هؤلاء غير من كتبوا لاستخلاص العبرة وفهم الدروس.. وهي مرحلة كان من المفترض كحد أقصى عشر سنوات بعد النكسة على الأكثر نمزق بعدها صفحة النكسة ونتفرغ لبناء الوطن والإنسان.. وهؤلاء أيضا -للدقة وللأمانة- غير من كتبوا انتقدوا مرة أو أكثر، ولكنهم، في الوقت نفسه، ذكروا الاستنزاف وأكتوبر وأبطالهم وبطولاتهم مرات.. لكن.. لكن فريق الهزيمة والإحباط تعرفونهم بالاسم، ومن يلتبس عليه الأمر فلينشط ذاكرته وسيعرفهم..
كانوا طابورًا يتقدمه الموساد ثم الإخوان ثم هم.. بالوعي أو بدون.. لا يعنينا إلا ما فعلوا بشعبنا ومعنوياته، وبما أثر على انتماء أبنائه.. هؤلاء جاء "الممر" صفعة قوية على رؤوسهم.. وأبلغهم رسالة مهمة: موتوا بغيظكم.. فيلم واحد أفسد كل ما فعلتموه.. فيلم واحد هزم الهزيمة وأبواقها.. فماذا سيحدث إذن بعد فيلم آخر منتظر عن أسطورة الصاعقة "إبراهيم الرفاعي" ؟!
التاريخ المعاصر كله سيكتب من جديد.. وكل التزييف الذي جرى سيذهب إلى حيث يستحق.. وها هي مصر كلها باجيالها تتحدث عن الاستنزاف.. ودماء وعرق وبطولات أبناء مصر ستجد من يقدرها ويمجدها، وينحني لها.. يتغنى بها ويغني لها.. نحن شعب لا يعرف الهزيمة ولا الانكسار.. إنها صفعة "الممر" القوية.. الذي يمتد الحديث عنه وحوله!