رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رزق اكْتُبْ


قضايا التلفيق كثيرة بين النصوص الأدبية، بمعنى أن الكتابة أصبحت قضية ملفقة لا علاقة لها بتنوير الواقع ووخز الوعي الاجتماعي. وثمة مقولة ضالة فحواها: إن الأدب غايته الوحيدة الإمتاع والتسلية، لكن المقولة الأكثر ضلالا تقول إن الأدب لصيق بالواقع المباشر. التسلية والمباشرة أفسدتا قدسية الكتابة.


على هذه الأرض، الكل يستحق الحياة، سواء أكانوا أبالسة أم ملائكة، بشرا أم شر الدواب. لكن هو العقل الذي يدرك نعمة البصيرة ودوره في إدراك معنى الخلافة بأنه إنسان، وإنسان فقط. يحمل أمانة ما، وعليه أن يوصلها لأصحابها، فمن يدرك هذا؟!

المقصود هنا بالعقل، هو المعنى بالأمر الإلهي والفطري بـ"اقرأ" حيث مَن يدرك قيمة حرف الكينونة في "ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ" يعد أعظم معاني الوجود الإنساني، وبالتالي أرى أن فعل "اكتب" هو فعل تالٍ لفعل"اقرأ".

وفي هذا السياق، قد فتحتْ "اقرأ" عمومية المشاركة التي يجب على الكل أن يقوم بها، فهي أمر وفرض وواجب عيني مطلوب من كل فرد في المجتمع وإلا ما فائدة العقل هنا، وما قيمة مشاركته في الإنسانية ووجوده الأرضي الذي يتطلب تعميرها وفهمها. ومن ثم القراءة هي مفتاح مغاليق الكون وما حوى.

وعلى صعيد متصل، يأتي فعل "اكتب" ذات خصوصية وشعيرة مقدسة لا يمنحها الله لأي عابر ولا تافه ولا متسلق، لذلك خصص الله سورة كاملة لأداة هذا الفعل الكتابي، وهي سورة "القلم". وفي ضوء ذلك فالكتابة هنا فرض كفاية يقوم بها القادر، ومن يتمتع بأمانة الموهبة والخصوصية التي خصها رازق موهبة الكتابة وحامل القلم. وقيل في الأثر الطيب إن أول ما خلق الله القلم، وقال له: اكتب. قال: وما أكتب؟ قال: اكتب القدر.. اكتب ما يكون!

إذن نحن البشر في أشد الاحتياج لمن يكتب عنا. من يكتب عما لا نستطيع الإمساك به داخل وجودنا النفسي والاجتماعي والكوني أيضا. وللأسف، ما أتعس المجموعة البشرية القابعة في المحيط العربي، فإن المطروح من الكتابة عنهم والمتسيد بالنشر الورقي أو الدرامي كما كناسة الدكان أو وسخ جوف!

مَن هذا الذي يحيك لنا من الحرف والسطر ما يموج به القدر.. من يملك الموهبة كي يكتب عن أقدارنا بطرحها وفرحها.. من يجدد لنا وعينا البشري، من هذا "ابن المحظوظة" الذي خصه الله ببركة الكتابة وفاض عليه برزق "اكتب"؟

هي استفهامات ناقمة من كثرة صديد الجرح المصري والعربي الطافح علينا، ليل نهار، بمفاهيم وسلع تجارية بائرة عفنة تُغذي الكراهية والدم والتفاهة والسطحية والتسلية السامة، وتساعد على النمو المتقزم للمفاهيم والمعارف الإنسانية عامة. ليس هذا حكما في العموم، إنما الكثرة الفاسدة هي السائدة، فليس ما يقدمونه بشعر ولا هم شعراء، ولا ما نراه رواية، ولا هذا فن ولا إبداع، ولا ذلك بحث علمي أكاديمي. المطروح حصرم، وفي أغلبه مسرطن بهرمونات الزراعة الإسرائيلية. مجرد "عنتظرة"، وشكل براق منفوخ، لا طعم ولا رائحة، فقدنا الخصوصية والنكهة العربية، والطعم المصري!

وأخيرا كي ننعم بـ "رزق اكتب" فوجب علينا أن نحقق أولا فعل "اقرأ" كفرض عين، وتلقائيا ستبحثون عمن يكتب عنكم بالحبر الأبيض، فسوف تجدونه قريبا، أنقذوه من عزلة صمت العارف الساجد على الحرف. علاماته: يتوارى في تواضع وهدوء الجبال الراسخة!
فلا تستهينوا بمكر "ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ".
Advertisements
الجريدة الرسمية