رئيس التحرير
عصام كامل

نبيل فهمي وزير الخارجية السابق: الحرب العالمية الثالثة "واردة".. و"صفقة القرن" خاطئة وظالمة


  •  "ترامب" يضحي بأي شيء من أجل البقاء في البيت الأبيض
  •  القاهرة سوف تنجح من خلال رئاسة "الاتحاد الأفريقي" في إصلاح ما أفسده الأخوان
  •  "أردوغان" يقود مخططا خبيثا لتغيير هوية المنطقة.. وتصريحاته عن وفاة المعزول تعكس دعمه للإرهاب
  •  المصالحة مع قطر مشروطة بأن تتخلى الأخيرة عن دعمها للتيارات المتطرفة والمتشددة


العالم ليس في أفضل حالاته.. توترات وتشابكات وتجاذبات هنا وهناك.. الكلام لا يتوقف عن احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة.. الولايات المتحدة تتخلى عن دورها في رعاية السلام وتتجاوزه لصناعة الفتن وتصدير الأزمات.. الرئيس الأمريكي يفعل أي شيء من أجل البقاء في البيت الأبيض فترة رئاسية جديدة.. سوريا واليمن وليبيا والجزائر والسودان على خط النار والأزمات.. وفى الخلفية تركيا وقطر تدعمان مخططا خبيثا من خلال دعم الجماعات الإرهابية واستمرارها.. دول أخرى تنمو وتتعاظم اقتصاديا بحثا عن أدوار في المعادلة العالمية مقابل انكماش عربي وإسلامي منقطع النظير.. هل تستطيع القاهرة إصلاح ما أفسده الأخوان في ظل رئاستها للاتحاد الأفريقي؟ وهل انتهى الأخوان إلى غير رجعة؟ تساؤلات وقضايا مطروحة تخص الشؤون الداخلية والعربية والعالمية، وتتطلب من يضع النقاط فوق الحروف، ويرصد الحالة القائمة بكل تفاصيلها، ويضع رؤية استشرافية للمستقبل.
السفير "نبيل فهمي"، وزير الخارجية السابق، وسفير القاهرة الأسبق في واشنطن، بين عامي 1999 – 2008، وأحد الدبلوماسيين المهمين يتحدث في حوار مطول مع "فيتو" حول هذه القضايا وغيرها بما حازه من خبرات دبلوماسية متراكمة وعمله وزيرا للخارجية في فترة مهمة من تاريخ البلاد ضمن حكومتي الدكتور "حازم الببلاوي" والمهندس "إبراهيم محلب".. وإلى نص الحوار:

بداية.. هل ترى العالم أكثر توترا مقارنة بأوقات سابقة؟
- هذا صحيح، هناك حالة من التوتر والارتباك تسود العالم، مراكز القوى متعددة حاليا، وكل طرف يبحث عنها بطريقته الخاصة، ما زالت هناك ريادة أمريكية من حيث الحجم الاقتصادي والقوة العسكرية والاستعداد لهذه الأدوات على المستوى الدولي، بينما في غياب قوة مضادة وضعت الولايات المتحدة نفسها في موقف ليس من السهل التعامل فيه مع أقطاب عديدة في دول مختلفة، نبني على هذا أمرين: أولا: رغم عدم وجود حرب عالمية لكن تعدد الحروب والنزاعات الإقليمية على مدى النصف قرن الماضي زاد على ما كان في الماضي وانتشر في دول المنطقة، الشيء الآخر إذا نظرنا إلى دول العالم الديمقراطية وغير الديمقراطية نجد أن هناك اضطرابا داخليا في المنظومة السياسية لكل دولة منها.

- دعنا نركز أكثر على دور الولايات المتحدة في تأجيج هذه التوترات.
أمريكا ما زالت أكبر وأقوى دولة بالعالم مقارنة بغيرها من الدول، ولكنها ليست الدولة الوحيدة التي تستطيع التصرف وحدها على المدى الطويل؛ لاعتبارات كثيرة نظرا لوجود أقطاب عديدة، كما ذكرت، روسيا مثلا أصبحت مؤثرة وتمثل رقما مهما في المعادلة، هناك الصين وكوريا الشمالية.. وأطراف أخرى لا تريد ترك الساحة خالية لأطماع ترامب.

- لماذا قلت: "ترامب" ولم تقل: "الولايات المتحدة" أو "واشنطن"؟
تلك ملاحظة جيدة منك.. "دونالد ترامب" فضلا عن كونه رئيس أكبر دولة في العالم، هو شخصية غير نمطية، هو شخص مندفع، كما أنه يبحث عن مقومات تمنحه حظوظا أوفر ليبقى في البيت الأبيض فترة رئاسية ثانية، ولأنه لم يعد يشعر بأن المنظومة السياسية تستجيب لطموحاته فبدأ يبحث ويأتي بحلول من خارج الصندوق، ومن ثم فإن الرئيس الأمريكي صار محركا للأحداث العالمية بشكل كبير ومؤثر، "ترامب" يمارس سياسة هادفة وواضحة تتفق تماما مع فلسفته السياسية، باعتباره "رجل أعمال" يميل إلى عقد الصفقات وتحقيق الربح السريع، هو يعقد الصفقات مع الطرف الأقوى على حساب الضعيف وليس على أساس الحق.

- إذن هذا يجعلنا نتساءل عن نظرة "ترامب" إلى العرب.
"ترامب" يملك بلا شك صداقات في المنطقة العربية، ويأمل من أصدقائه أن يؤازروه ويدعموا صفقاته التي يريد إبرامها، والتعامل معها باعتبارها أمرا واقعا، وهذا منطق خاطئ وسقيم، ويفتقد إلى الموضوعية، ويخاصم المنطق بطبيعة الحال.

- وهل هذا الانحياز الأعمى من جانب "ترامب" ضاعف شعبيته في أمريكا؟
المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ليست قضية شعبية في الولايات المتحدة، فهي ليست قضية ينتصر على أساسها مرشح على آخر، ولكن "ترامب" يستغلها لأنه عنصر أساسي من الفئة المؤيدة لها اليمين الأمريكي اليهودي وليس الوسط اليهودي، اليمين اليهودي الأمريكي طلب من ترامب قبل الحملة الانتخابية الأخيرة أن يلتزم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فالقضية الفلسطينية الإسرائيلية ليست قضية حسم لمرشح على حساب آخر.

- وهل الولايات المتحدة هي القوة الأوحد عالميا؟
أنا لم أقل ذلك، قد تكون الأقوى، ولكنها ليست الوحيدة، هناك "روسيا" كما أسلفت، وكذلك "الصين" ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وهي تنمو وتتمدد اقتصاديا وعسكريا بوتيرة متسارعة، ومن بعدهما "كوريا الشمالية" و"الهند"، العالم لا يقف هادئا مستكينا، هناك دول كثيرة تعمل على تنمية اقتصادياتها وتعظيم أدوارها إلى جانب الولايات المتحدة.

- كيف تابعت كل ما تردد بشأن ما يسمى إعلاميا بـ"صفقة القرن"؟
"صفقة القرن" تعكس العبث الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وتجسد انقلاب البيت الأبيض على عملية السلام بشكل عام، بل إنها تؤكد أنها تخلت رسميا عن دورها باعتبارها أحد الرعاة الرئيسيين لعملية السلام، كما تقدم دليلا عمليا على انقلاب البيت الأبيض على جميع القوانين والاتفاقيات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وتطرح دليلا على الانحياز الأمريكي الدائم للكيان الصهيوني، الآن يمكن القول: إن أمريكا غدت وسيطا منحازا إلى اليمين الإسرائيلي، كما أن تلك الصفقة مبنية على أسس خاطئة وظالمة.

- تتحدث تقارير مختلفة عن حرب محتملة بين واشنطن وطهران.. ما رأيكم في ذلك؟
لا شك أننا نمر بمرحلة بالغة الخطورة، ولكن أعتقد أن الولايات المتحدة ليست حاسمة في إعلان الحرب على إيران، وفى المقابل، فإن إيران لا تسعى إلى مواجهة أمريكا عسكريا، وإنما المواجهات بالخطأ واردة!

- كيف ذلك.. في ظل كل ما ذكرته عن "ترامب"؟
"ترامب" لا يميل إلى استخدام القوة خارج أمريكا، وموقفه معروف منذ الحرب على العراق، وصرح أكثر من مرة بأنها كانت خطيئة، ربما يكون من بين معاونيه، مثل: "مستشار الأمن القومي" إلى استخدام القوة الأمريكية، كما أن هناك شقا إيرانيا في أقصى اليمين، يريد تصعيد وفرض هيمنة بلاده في ساحة الشرق الأوسط وهذا يجعله في مواجهة مباشرة مع أمريكا، ولا شك أن أي مواجهات عسكرية مباشرة بين الطرفين ستكون في مصلحة واشنطن.

- وما تقييمك للسياسة الإيرانية الخارجية؟
أراها سياسة خشنة، ومحاولات "طهران" التأثير على ساحات عربية عديدة استراتيجية يجب مراجعتها، مواجهة إيران سياسيا ودبلوماسيا مهم، حتى لا نرى النفوذ الإيراني خارج حدوده المشروعة.

-وما تقييمك للتحليلات العسكرية التي تتوقع حربا عالمية ثالثة، في ظل هذه التشابكات؟
- شخصيا.. لا أستبعد أي شيء، بعدما شاهدنا الكثير خلال الأعوام والعقود الماضية من انهيار دول كبرى مثل: الاتحاد السوفيتي، وتفكك دول وانقسام أخرى، أتوقع تعدد الاستمرار في النزاعات العسكرية السياسية الإقليمية ودون الإقليمية التي يحاول فيها الأطراف الفاعلة دون الدخول في صدام عسكري مباشر ما يسمى حربا عالمية حاليا.

في ظل أزمات الإقليم الحالية.. ما السيناريوهات المتوقعة في السودان والجزائر بعد رحيل البشير وبوتفليقة؟
الأوضاع بطبيعة الحال لن تستقر سريعا، سوف تكون هناك تجاذبات واختلافات جذرية، بين السلطات الحاكمة والتيارات المدنية، يجب على الجميع أن يتعلموا من تجارب جيرانهم، عليهم أيضا أن ينحوا مصالحهم الشخصية جانبا، ويغلبوا عليها المصلحة الوطنية، واحترام رغبة الشارع، بهدف ترسيخ حالة من الهدوء والاستقرار، والعمل على إصلاح ما أفسده الماضي.

-على ذكر هذا الموضوع.. هل تسمح لي أن أسألك عن سبب ثورات الربيع العربي، وهل كان يمكن تجنبها من الأساس؟
ثورات الربيع العربي كانت ستقع لا محالة، المقدمات الخاطئة تؤدي بطبيعة الحال إلى نتائج خاطئة، الدول التي شهدت ثورات وإسقاطا لأنظمتها هي التي خلقت الظروف ومهدت الطرق لها، من خلال السياسات الداخلية والخارجية المرتبكة، والسماح لأطراف غربية بالتدخل في شؤونها الداخلية، وهذا ما يفسر لنا الآن كيف أصبحت قضايا الشرق الأوسط تُدار بقوى أجنبية وإرادة غربية.

- لنبقَ قليلا في منطقة الشرق الأوسط.. لماذا يعجز المجتمع لدولي عن إيجاد حل لأزمات سوريا واليمن وليبيا؟
العجز عن إيجاد الحل مرتبط بتعدد الأطراف الفاعلة في كل مشكلة منها، تباين المصالح وتداخل أطراف دولية في هذه القضايا فاقم من تعقيداتها وجعل الحل مستعصيا، هناك أطراف لا تريد أن يأتي الحل سريعا، لأنها تتكسب من بقاء الأزمة واستقرارها، وعلى أية حال.. يمكن القول: إن الأزمة هنا تكمن في غياب ما يُسمى "الحكم الرشيد"، وهو الحكم الذي يستجيب لطلبات الشعب، في غياب الحكم الرشيد تكون الساحة خصبة للتدخل الأجنبي، الساحة السورية بدأت بمشكلة داخلية وتفاقمت في صراع للقوى، وأيضا اليمن بدأت بمشكلة داخلية وتفاقمت بين إيران وأطراف عديدة، والوضع في السودان لا يختلف كثيرا، وأنا أتوقع بكل أسف استمرار تفاقم الأوضاع في البلدان الثلاثة، ولن تضع أزماتها أوزارها قريبا، في ظل حرص أطراف خارجية على عدم الحل وعودة الحياة إلى طبيعتها.

- كيف ترى العلاقات المصرية الأفريقية حاليا في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي؟
بالتأكيد تعتبر فرصة جيدة جدا، لإصلاح ما أفسده حكم الإخوان قبل 7 سنوات، فخلال العام الذي تولوا فيه حكم البلاد، ساءت العلاقات المصرية الأفريقية بشكل كبير، وخسرت مصر كثيرا، ولكن في ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، فإن الأمور يجب أن تتغير إلى الأفضل، والعلاقات بين القاهرة وأشقائها الأفارقة سوف تعود إلى سابق عهدها، بما يصب في مصلحة الطرفين، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.

- ما توقعاتك لملف سد النهضة الإثيوبي؟
الملف ما زال مفتوحا حتى الآن، وجميع الدراسات والتقارير تؤكد أن هناك أزمة محتملة للمياه، ولكني أثق في القيادة الحكيمة للأشقاء في إثيوبيا، وكذلك مصر التي تتعامل بهدوء وحكمة، بما يضمن مصلحة البلدين والشعبين معا.

- ما مستقبل الجماعات المتطرفة في المنطقة.. وهل الدعم القطري والتركي هو ضمانة البقاء؟
هذا واحد من الملفات الشائكة، ولا شك أن الدعم القطري والتركي يوفران له بيئة خصبة للبقاء والاستمرار والنمو، والحرب على الإرهاب تتطلب نفسا طويلا، وتعاونا إقليميا مشتركا، ولا حلول سياسية دون حلول أمنية، والحل الاقتصادي أيضا يجب أن يكون حاضرا، حيث يجب تغيير المناخ الاقتصادي الذي تستغله تلك الجماعات الشيطانية أسوأ استغلال لتحقيق أهدافها.

- هذا يدفعنا أيضا إلى الحديث عن واقع ومستقبل جماعة الإخوان.
جماعة الإخوان هي من كتبت نهايتها بنفسها، وهي من استعجلت النهاية، وليس أحد غيرها، هي لا تريد أن تعترف بأخطائها، بل تصر على تكرارها بغرابة شديدة، الجماعة تعاني في معظم الدول، ويجب ألا ننسى أن الجريمة الأبرز التي اقترفتها الجماعة هي تشويه الإسلام على مستوى العالم، ودورها في تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا، وإجمالا.. فإن الجماعة حاليا في أسوأ حالاتها على الإطلاق.

- كيف ترى الدور التركي في المنطقة؟
للأسف.. "أردوغان" يقود مخططا خبيثا من خلال تأييده المطلق للتيارات الإرهابية والمتطرفة، وبدا هذا في موقفه المريب وتصريحاته السافرة بعد وفاة المعزول محمد مرسي، مواقف "أردوغان" تخلو من الحكمة، وتفتقد إلى الدبلوماسية، هو يعمل على تغيير هوية المنطقة، هذه سذاجة مفرطة من جانبه، يجب أن يعود إلى رشده، ويعيد ترتيب أوراقه من جديد، لأنه لا أحد سوف يسمح له بتحقيق طموحاته التوسعية.

- هل تتوقع مصالحة بين الدول العربية وقطر قريبا؟
الكرة في ملعب "قطر"، هي "التي حضّرت العفريت"، وهى من افتعلت الأزمات، وعملت على تأجيجها، ورفعت كل محاولات تقريب وجهات النظر، وأصرت على مواقفها العدائية، المصالحة إن تمت، يجب أن تتم على أسس راسخة وسليمة، والتعهد بعدم تكرار أخطاء الماضي.



الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية