رئيس التحرير
عصام كامل

في انتظار الموجة الثالثة للتغيير العربي


أثبت الشعب العربي أنه ليس مستعصيا على التغيير، وأن هناك موجات متعددة للتغيير قادمة"، بل إن الشعوب العربية وخاصة في الجزائر والسودان استوعبا الدرس في موجة ما سمي بالربيع العربي الأولى كانت مياها كثيرة قد جرت في العالم العربي بين 2011، حين اندلعت الموجة الأولى من أحداث «الربيع العربي»،..


2019، حين اندلعت الموجة الراهنة من هذه الثورات في الجزائر والسودان، وهما مصران على التظاهر والاعتصام، حتى تحقيق مطالبهما بشكل كامل، وعدم اختطاف ثورتهما وعدم الرضا فقط باقتلاع رأس النظام حيث تبدو الصراعات السياسية أعنف وأكثر عمقا، مما كان متصورا‮.‬

فالقضية تتجاوز إقامة نظام ديمقراطي جديد محل نظام استبدادي قديم، إلى صراعات على السلطة من ناحية، وصراعات على الدولة من ناحية أخرى‮.‬ حيث تسعى كافة القوى السياسية إلى إثبات وجودها،‮ ‬وحجز‮ "‬حصتها‮" ‬في النظام الجديد، ليس فقط من خلال آليات التحول القائمة على المنافسة السياسية، وإنما الاستمرار في الحشد الثوري أيضا، بل وأعمال العنف أحيانا.. ‬

وللأسف، فإن غالبية الأطراف الفاعلة، تصر على ممارسة سياسة «المباراة الصفرية»، أي الرغبة في الحصول على كل شىء، وحرمان الآخرين من كل شىء. وللأسف فإن غالبية الثائرين، والمتعاطفين معهم في المنطقة، يتعاملون مع المسألة بنفس الطريقة أي «الأبيض والأسود» فقط، واستبعاد بقية مكونات الصورة تماما.

وقد علمتنا التجارب أن نجاح الثورات في إزالة الحاكم المستبد هو الجزء الأسهل من المشكلة، وأن إدارة فترات الانتقال بنجاح، هي والتي ربما يؤدي التمادي فيها إلى إجهاض الثورات.‬ فهناك من ينظر إلى الثورة باعتبارها‮ ‬غاية،‮ ‬ومن ثم يعتقد أن الثورة دائمة، بمعنى ألا يكون للثورة حدود،‮ ‬فتسقط النظام ثم تسقط الدولة، ثم تؤسس على أنقاضها دولة الثورة،‮ ‬التي تدعي تطهير نفسها من النظام القديم والبشر القدامى، بحيث لا يعرف أحد أين يتم التوقف وكلها دوافع لتتشكل الموجة الثالثة للتغيير العربي حتى ولو استبعدت النظم السياسية ذلك فقد كان الجميع يقولون في بداية الموجة الأولى (نحن لسنا تونس)‮.

وبعدها بأسابيع كانت الجماهير تحتل الشوارع والميادين‬.

وهكذا فإن المرحلة الانتقالية الراهنة التي تعيشها المنطقة العربية لا تقتصر على دولة بعينها، إذ شهدت المملكة المغربية احتجاجات عرفت باحتجاجات "الريف" سبقها حادثة «بائع السمك»، وفي منطقة الخليج العربي تتكاثر الأزمات كالفطر لتنعكس على الواقع الاقتصادي لهذه الدولة فجعلها تعيش حالة انتقالية بين زمنين وبين جيلين وبين أزمتين لا تكاد تنتهي إحداهما حتى تنتقل إلى أخرى في سعي متواصل للوصول إلى استقرار مفقود وغائب عن المشهد، وعجز عن التغيير، ولكنها خرجت من عزلتها والرغبة في النأي بالنفس بعيدا عن منطقة الزلازل والأزمات العربية، إلى حالة انخراط نشيط في القلب منها، واشتباك مباشر مع تفاعلاتها.

بينما يعتري الشارع اللبناني خيبة أمل كبيرة من الطبقة السياسية، ويبدو أن كثيرين يستثنون لبنان من موجات الربيع، بسبب تركيبة النظام، لكن هذا لم يعد مضمونا. ولبنان سيلتحق بموجات التغيير العربية. ولا أظن أن أي بلد عربي سيكون بمنأى عن موجة التغيير.

حتى سوريا الخارجة للتو من حرب ضروس، فإن بداخلها اليوم نقمة عارمة على سوء الأوضاع المعيشية والفساد، تظهر على شكل موجات من الانتقاد الجريء على صفحات التواصل الاجتماعي وهو ما يبلور الموجة الثالثة المقبلة..

وخلاصة الأمر فلن تسلم دولة عربية من مرارة تجرع كأس الربيع، ولم تعد الرشاوي الشعبية تحصن أي سلطة خاصة وأن عدوي التظاهر تنتقل وبسرعة، وربما تنتظر اللحظة المناسبة للانفجار طالما إن السلطة العربية لا تتعلم من دروس التاريخ، وتري التغيير بعيدا عنها، وكل المعطيات تراه قريبا جدا.

الجريدة الرسمية