السينما.. الآثار.. الغالب والمغلوب (2)
تحدثنا في المقال السابق حول وزارة الآثار ودورها في تسويق ما تملكه مصر من آثار من خلال التصوير السينمائي المحلي والعالمي، وكيف أن الوزارة تفرض رسوما باهظة تجعل المنتجين المصريين يهربون من التصوير في المناطق الأثرية بعد أن كان التصوير في الماضي يشكل دعاية لمصر وما نمتلك من كنوز وآثار، بعد أن هرب الأجانب للتصوير في مناطق أخرى بسبب العراقيل.
أفلام عديدة تناولت الآثار خلفية لأحداث أخرى من خلال استخدام المكان منها فيلم "صراع في الوادي" إخراج يوسف شاهين وتمثيل فاتن حمامة وعمر الشريف إنتاج 1954، والذي لا يناقش قضية أثرية وإن دارت بعض الأحداث داخل معبد الكرنك في الأقصر، خاصة مشهد النهاية الذي تدور أحداثه داخل جدران المعبد.
وهو أيضا ضمن أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، حيث جاء في المرتبة الخامسة والعشرين ضمن قائمة أفضل مائة فيلم. وهو أيضا أول أفلام الفنان المصري العالمي عمر الشريف.
الفيلم شارك في عشرات المهرجانات العالمية، وكان ميلاد نجم كبير تربع في قلوب عشاق السينما في العالم. ولا يقل الفيلم في مكانته عن "المومياء" بما قدم من دعم حقيقي للسياحة المصرية في جميع دول العالم.
أما فيلم "غرام في الكرنك" وهو أول فيلم مصري بالألوان طبع في القاهرة 1967، وتم تصوير معظم مشاهده في معبد الكرنك ودارت أحداثه في إطار كوميدي رومانسي استعراضي مما جعله قريبا لقلب المشاهد وساهم في وصول رسالته، الفيلم إخراج على رضا وتمثيل فريدة فهمي ومحمود رضا وأعضاء فرقة رضا ومنهم حسن عفيفي ومعهم محمد العزبي..
وعشرات الأفلام الأخرى التي استخدمت الآثار لتقدم أفضل الخدمات للسياحة والآثار المصرية، إلى أن توقفت الأفلام تماما عن التصوير في المناطق الأثرية بعد فرض الرسوم المبالغ فيها على التصوير في هذه المناطق، وأن كان آخر فيلم صور في الهرم مثلا فيلم "ليه يا هرم" إخراج عمر عبد العزيز، وتمثيل فريد شوقى وميرفت أمين، وإنتاج 1993، والذي تدور أحداثه حول محاولة أجنبية لهدم الهرم ومن وقتها أي منذ 25 عامًا لم يتم تصوير أي عمل فنى في المناطق الأثرية.
ولا يختلف مطار القاهرة كثيرًا في موقفه عن وزارة الآثار، رغم الأفلام التي تم تصويرها هي أيضا خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، والتي تقدم مطار القاهرة كأحد المعالم المهمة في مصر مما يشجع السائح أيضا على الحضور. ولكن توقف التصوير تامًا في مطار القاهرة بعد أن وصل مقابل التصوير في اليوم الواحد إلى عشرين ألف جنيه.
ورغم أن مطار القاهرة بعد تحديثه أصبح مزارًا رائعًا وصورة حضارية لمصر. كان يجب أن تكون وزارة الطيران أكثر حرصًا على تقديمها من خلال السينما للسائح العربى والأجنبي، خاصة وأن بعض العرب وعددهم ليس بالقليل تعرفوا على مصر بآثارها ومطارها وشوارعها وميادينها من خلال السينما، بل إن البعض يصف لك الكثير من الأماكن والمناطق التي حفظها عن ظهر قلب من خلال الأفلام.
الطامة الكبرى أن وزارة الآثار لم تحصد من وراء قرارها بفرض رسوم على التصوير المليارات ولا الملايين، ولم تحقق أي عائد حقيقي بعد أن هربت الأفلام من التصوير في هذه الأماكن.. بل إن الأفلام الأجنبية أيضا التي تدور أحداثها في مصر الفرعونية هربت إلى التصوير في صحراء المغرب لتضيف إلى الدخل القومي المغربي سنويًا مالا يقل عن ثلاثة مليارات دولار، ونحن هنا نقف محلك سر.. نرى من الغالب ومن المغلوب.
بكل تأكيد الغالب في هذا الموضوع هي المغرب الشقيق.. أما المغلوبة بكل تأكيد فهي وزارة الآثار التي خفضت الرسوم إلى النصف بعد اجتماع السينمائيين مع السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، وبحضور وزير الآثار، ورغم ذلك لم يكن القرار محفزًا لصناع السينما على تصوير أعمالهم هناك. وما زالت الآثار والسياحة تستنزفان أموال الدولة في تصوير أفلام لا طائل من ورائها ولا عائد حقيقي..