من التنوير إلى السلام
إذا كنت قد أشرت في مقالات سابقة إلى أهمية دور التنوير وربط ذلك باتجاهات كثيرة لتحقيقه بوسائل متعددة كالفن والإعلام والثقافة ودورهم في ترسيخ الدعوة التنويرية، ففى مقالي اليوم أقف عند مفهوم التنوير وتحقيق السلام، واطرح السؤال: هل التنوير يقود إلى السلام؟ وهل بعض الاتجاهات غير الوطنية عدوة للتنوير؛ وبالتالي عدوة للعيش في سلام؟
في الحقيقة أن هناك أمورا ومشكلات لا نتصدى لحلها من الجذور وغالبا نعالج المعلولات وليس العلة الأولى، أو بمعنى دقيق السبب الأول لحدوث أية ظاهرة سلبية في المجتمع، فتظل المشكلة قائمة تتجدد وتنمو وتأخذ أشكالا جديدة وهذه خطورة تتربص بمجتمعنا.
وأشير هنا إلى حوادث الإرهاب التي تتربص بالجيش والشرطة وما حدث في الأيام السابقة من الهجوم على أحد الكمائن بسيناء، الجيش والشرطة بذلوا ويبذلون مجهودا عظيما في مواجهة الإرهابيين وكل يوم شهيد من أجل أن نعيش في أمان.
ولكن أطرح السؤال هنا: هل نقف متفرجين أم نقوم بدور مساند لهذا المجهود الجبار؟
فإذا كانت المواجهة الأمنية لهذه العناصر الإرهابية تقوم بدورها على أكمل وجه، فلا بد من القوى المدنية أن تقوم بدورها، وللثقافة دور كبير، وللفن دور هام وللإعلام دور مؤثر، كل هذه الوسائل عناصر هامة لتحقيق التنوير ومن ثم تحقيق السلام؛ وأقصد هنا السلام بين الأديان لأنه يمثل بُعدًا سياسيًّا للأمن القومي للدولة..
فالسلام يمثل نوعا من الرقى والتسامي فوق الصراعات والخلافات ولن يتحقق إلا بالتوعية السليمة وتنقية المناهج من كل عبارة متطرفة. ويجب الوقوف على نوعية الثقافة التي تقدم للطلاب في مرحلة ما قبل الجامعة وفى مرحلة الجامعة؛ بل نوعية الثقافة التي تقدم طلاب المعاهد الدينية بأنواعها..
وأطرح السؤال مرة أخرى: هل ما يقدم في تلك المناهج يعتمد على التثقيف العقلي دون الاتجاه إلى مفاهيم سلبية تجاه الآخر المختلف؟ هل ما يقدم في تلك المناهج ينمى الروح الوطنية لتراب الوطن؟ وهل من يقومون بالتعليم قادرين حقا على مواكبة التطور الذي فاق كل التوقعات؟
أسئلة عديدة تطرح أمام العقل لحل إشكالية الأفكار المتطرفة التي تنسف مفهوم السلام.
التنوير مهمة صعبة في المجتمع ولكنه مهمة ليست مستحيلة فإذا تحقق التنوير تحققت معها مفاهيم إنسانية راقية تجذب المجتمع إلى الأمام، ولا أكون مبالغة عندما أقول إن هناك طريقا واحدا فقط لتحقيق التنوير ألا وهو الإعلاء من شأن العقل والانفتاح على كل الثقافات الإيجابية، فلا بد من استئصال كل فكر رجعى ومتطرف نجده في وسائل متعددة سواء الإعلام أو المنابر الدينية أو المناهج التعليمية..
فصاحب الفكر المتطرف والرجعى يظل خاملا حتى تتاح له الفرصة لنشر أفكاره والتي تؤدى إلى الفرقة والقتل، وإذا كنت أوجه النظر إلى أهمية دور الإعلام والتعليم والثقافة والمنابر الدينية في التنوير ونشر السلام، لكنى أركز بصورة خاصة على ما يقدم في الإعلام والدراما المصرية في اللحظة الآنية وأثرها العميق سواء السلبى أو الإيجابي، وأتذكر هنا اليوم الذي افتتح فيه محور روض الفرج، ولم أجد سوى قناة واحدة تغطى الحدث، والقنوات الفضائية الباقية مشغولة بعرض المسلسلات التي تُصدر وتعطى قيمة إيجابية لمفهوم القتل ومفهوم البلطجة..
يجب أن يكون هناك وقفة جادة أمام أعمال درامية تفتت القيم الإنسانية، وتعظم من قيم سلبية ومن ثم أثر ذلك على السلام الاجتماعي. ولذا يجب نشر الوعى من خلال الثقافة والإعلام وكل الوسائل المتاحة لنشر التنوير، ونشر روح التسامح والسلام الاجتماعي، فلا سلام دون تنوير، ولا وطنية دون ثقافة حقيقية، ولا وعى بدون تقديس للعقل.