رئيس التحرير
عصام كامل

أخبرني كيف سينتهي هذا الأمر؟


لقد سافرت إلى اليمن وسوريا وتركيا لتصوير فيلم وثائقي عن “كيف ساهمت الضغوط البيئية في الصحوة العربية”. وعندما استرجعت تلك الرحلة وجدت أن ثلاثة من الشخصيات الرئيسية التي قابلناها – زعيما قريتين في اليمن تقاتلا على بئر مياه، وقائد الجيش السوري الحر في محافظة الرقة الذي اختفت مزرعة القطن الخاصة به بسبب الجفاف. 

كان ذلك هو السبب في أنك لا يمكن أن تمر برحلة كهذه دون أن تتساءل عمن سيحكم هذه البلاد فقط، بل أيضًا كيف سيحكم أي شخص هذه البلدان؟ 

بالطبع، يجب أن ندعو لهؤلاء بكل إخلاص أن يحققوا تطلعاتهم الديمقراطية. ولكن من الواضح أن هذه ليست الرؤية الوحيدة المطروحة على الطاولة، هؤلاء الطامحون في الديمقراطية في حاجة إلى التنافس مع جماعات المعارضة الإسلامية والطائفية والقبلية، والتي تتعمق جذورها في هذه المجتمعات. 

ولكن بغض النظر عن اتجاه الانتصارات، فإن القضية الحقيقية هنا هي ما إذا كان 50 عامًا من الانفجار السكاني، وسوء الإدارة البيئية والركود التعليمي جعل بعض هذه البلدان غير محكومة من قبل أي جماعة أو أيديولوجية.

في مصر أو اليمن أو سوريا، من الشائع أن نرى فصول المدارس الابتدائية تضم من 60 إلى 70 طفلًا ومعلمًا واحدًا تحت التدريب، لا أجهزة كمبيوتر ولا توجيهات علمية، كيف يمكن للأطفال أن يحظوا بفرصة في عالم حل الإنسان الآلي فيه مكان العمال ذوي الياقات الزرقاء، ليس هذا فحسب، بل أيضا يتزايد الاعتماد على التكنولوجيا لتقوم بمهام الموظفين الروتينيين؟

ثم أذهب عبر الحدود التركية إلى تل الأبيض في شمال شرق سوريا، وأرى المباني المدمرة وخطوط الكهرباء على الأرض ومنازل غير مكتملة، وفجوة في برج تخزين الحبوب، ومع هذا لا تزال الحرب تدمر ما تبقى لدى السوريين، فهم وقعوا في حفرة وما زالوا يحفرون المزيد فيها. 

الطريقة الوحيدة لهذه البلدان لتلحق بركب باقي الدول هو توحيد كل قوتهم، وهذا الأمر ينطبق على السنة والمسيحيين والعلويين في سوريا للعمل معًا، وينطبق كذلك على القبائل في اليمن وليبيا، وأيضًا على جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين والليبراليين في مصر، فعليهم القيام بذلك، ولا سيما في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المقترحة من قبل صندوق النقد الدولي. 
في عالم اليوم الذي تحكمه العولمة، ستسقط في الخلف بطريقة أسرع من أي وقت مضى إذا لم تقم ببناء التعليم والبنية التحتية والأساس الاقتصادي للاستفادة من هذا العالم، ولكن لديك الفرصة للحاق به بشكل أسرع إذا قمت بذلك.

ولكن هذا الأمر يحتاج إلى الثقة ليتحقق، هذا الشيء غير الملموس الذي يقول لك إنك تستطيع أن تحكمني حتى ولو كنت قد أتيت من قبيلة أو طائفة أو حزب سياسي مختلف - وهذا هو الشيء المفقود هنا، في غياب قادة يشبهون "نيلسون مانديلا" قادرين وتوّاقين إلى بناء الثقة، لا أرى كيف يمكن لأي من هذه الصحوات النجاح، وأظل أفكر في قائد الجيش السوري الحر الذي عرّفني على فريقه القيادي، وظل يردد "ابن أخي، عمي، أخي، عمي، ابن أخي، ابني، ابن عمي ..."، ماذا تستنتج من هذا؟ 

يمكننا الإجابة بشكل صحيح على السؤال حول ضرورة تسليح المعارضة السورية إذا أجبنا أولا على أي نوع من سوريا نريد نراها تظهر، وماذا سيتطلب هذا في ظل وجود الأسلحة؟

إذا كنا نريد الإطاحة بنظام بشار الأسد وتأسيس الديمقراطية التعددية في سوريا، فنحن لا نحتاج فقط لتسليح المتمردين، ولكننا بحاجة إلى تنظيم قوة حفظ سلام دولية لدخول سوريا بمجرد سقوط النظام للمساعدة في إدارة المرحلة الانتقالية. 

وإلا ستندلع حربان على الأقل عند سقوط النظام في سوريا، وسوف تكون أول حرب بين السنة والعلويين؛ الطائفة التي يمثلها الأسد، فالعلويون سيقاتلون من أجل الدفاع عن الامتيازات والمناطق التي يسيطرون عليها، بعد ذلك سيكون هناك حرب داخل المعارضة - بين الإسلاميين وقوات القتال العلمانية التي لها رؤى مختلفة تماما عن مستقبل سوريا، فقط قوة حفظ السلام الأجنبية يمكنها تعويض انعدام الثقة والرؤية المشتركة ومحاولة تأسيس سوريا الجديدة.

إذا كان هدفنا هو تسليح المتمردين فقط لخدمة مصالحنا الاستراتيجية - التي تهدف إلى إسقاط نظام الأسد وإنهاء نفوذ إيران وحزب الله في دمشق، ولا يهم بعد ذلك من سيأتي في الحكم – فعلينا إذًا أن نستعد لتقسيم محتمل لسوريا إلى ثلاث مناطق: سنية وعلوية وكردية. 

قد يحل هذا في نهاية المطاف أزمة الثقة ومشكلات الحرب الأهلية، ما دام الجميع سيعيشون "مع أنفسهم"، لكنني لست متأكدًا من أنه سيمكّن السوريين للتصدي للتحديات الإنمائية بشكل أفضل.

وهناك خيار ثالث يتمثل في تسليح المتمردين فقط لضمان إبقاء الوضع على ما هو عليه - على أمل أن تنهك الأطراف في نهاية المطاف بما يكفي لتتوصل إلى اتفاق من تلقاء نفسها- ولكن مرة أخرى، أجد أنه من الصعب أن نرى كيف يمكن تنفيذ أي اتفاق يضع سوريا على الطريق الطويل الصعب لتحقيق نظام سياسي لائق وشامل دون مساعدة خارجية على الأرض.

لذلك دعونا نفعل شيئا جديدًا: التفكير في خطوتين إلى الأمام، قبل أن نشرع في إرسال أسلحة لعدد أكبر من الناس، دعونا نسأل أنفسنا عن الأغراض الفعلية التي نريد استخدام تلك البنادق خلالها، وماذا سيتطلب ذلك منهم ومنا لتحقيق تلك الأغراض؟ 
نقلا عن نيويورك تايمز.

الجريدة الرسمية