التطرّف والمنيا!
لو أجرينا إحصائية لأحداث التطرّف الديني والصدامات الطائفية سوف تكون محافظة المنيا هي صاحبة النصيب الأكبر في هذه الأحداث والحوادث، رغم أنها أكثر المحافظات التي استأثرت بالنصيب الأكبر من محاولات مقاومة التطرّف، ونشر ثقافة العيش المشترك التي تقوم على قيم المواطنة والتسامح وتقبل واحترام الآخر والإيمان بالتعددية..
وهذا ليس له سوى تفسير واحد، وهو أن الثقافة المعادية للعيش المشترك متجذرة في قرى وربوع هذه المحافظة، التي ليست هي الأفقر بين محافظات الصعيد، ولذلك لم تفض محاولات مقاومة التطرّف الديني عن التخلص منه والقضاء عليه أو حتى حصاره وتخفيف حدته، وبالتالى نفاجأ ونصدم ببن الحين والآخر بحادث طائفي أو صدام دينى مثير للاستفزاز، يهدد وحدتنا الوطنية وينال من أحد الأسس الدستورية التي ارتضيناها لدولتنا الوطنية، وهي المواطنة!
ورغم ذلك لم نتحرك لندرس هذه المشكلة الخطيرة، ونبحث عن حل ناجع لها حتى لا تتحول بعض قرى المنيا إلى بؤر تطرف ديني ناقلة للعدوى إلى مواقع وأماكن أخرى في وطننا، الذي ما زالت المواطنة الحقيقية حلما لم يتحقق بالكامل، وما زال هناك فيه من يسعون بلا ملل أو كلل لنشر التطرّف الديني، الذي يخلق لنا في نهاية المطاف وحوشا آدمية، تقتل وتخرب وتفجر وتدمر.
نعم، المنيا حظيت وما زالت تحظى من قبل عدد من منظمات المجتمع المدني بجهد كبير ومتواصل، لنشر ثقافة العيش المشترك، وربما كان أبرزها جهود الهيئة القبطية الإنجيلية، التي انطلقت أساسا من المنيا، ولكن الأمر الآن صار يحتاج جهدا وطنيا أشمل وأكبر من إمكانيات إحدى أو عدد من منظمات المجتمع المدني..
إنه يحتاج جهد دولة، من خلال خطة تنويرية يتشارك فيها الجميع، وفى مقدمتهم المستنيرون والعقلاء من أهل المنيا، لإنقاذها من أسر هذا التطرّف الديني الذي وقعت فيه، خطة تحدد بدقة أهل التطرّف الديني ومنظماتهم المختلفة، ومن يدعمهم ويساندهم، وتتصدى لهم بقوة وحزم، وتحمي الشباب من غواياتهم، حماية للوطن كله، وليس المنيا وحدها.
