نقص الأطباء.. المشكلات والحلول
الأطباء ثروة قومية لأي مجتمع، ويحتاج تعليم الطبيب إلى مبالغ مالية طائلة (نحو ٥٠ ألف جنيه مصري لكل عام دراسي)، ومدة زمنية طويلة للتدريب العام والتخصصي (نحو خمس سنوات للتدريب العام ومثلها للتدريب التخصصي).
وتعاني معظم دول العالم من نقص في عدد الأطباء، وباستثناء الهند وباكستان ومصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، والتي يتنافس خريجوها على السوق الدولي للأطباء، فإنها يندر أن تجد وفرة من الأطباء في أي دولة من دول العالم. وتعتمد معظم دول أوروبا (خاصة إنجلترا وألمانيا) وأمريكا الشمالية (كندا والولايات المتحدة)، على الأطباء الذين تعلموا خارج حدودها (Overseas graduates)..
وتضع كل دولة المعايير التي تؤهل الخريجين من خارج حدودها للعمل بها، تسمى اختبارات المعادلة، والتي يتفوق فيها الهنود على باقي الخريجين، ويأتي بعدهم المصريون. ونظرا لحاجة الدول المتزايدة للأطباء، فإنها أصبحت تتساهل في الاختبارات التي تفرضها، فقد تخلت إنجلترا عن شرط امتحان اللغة الصعب ووضعت مكانه اختبارا لغويا سهلا، وكذلك ألمانيا والتي تقبل خريجينا بعد أداء اختبار إجادة للغة الألمانية فقط..
ولذا فإن عددا أكبر من خريجي كليات الطب المصرية تمكنوا من الحصول على فرص أكثر للعمل في إنجلترا وألمانيا خلال السنوات القليلة الماضية.
أما في مصر، فلم يكن هناك عجز في أعداد الأطباء على مدار الخمسين سنة الماضية، وكانت مصر أحد أكبر الدول المصدرة للأطباء (بعد الهند)، وكان الأطباء المصريين بحق فخر لها ومن مصادر قوتها الناعمة سواء في بلاد الخليج أو أوروبا وأمريكا.
إذا فماذا حدث؟ ولماذا نقص عدد الأطباء المصريين العاملين في مصر لدرجة أصبحت تهدد كفاءة وزارة الصحة المصرية في أداء واجبها والحفاظ على صحة المصريين؟
والإجابة المباشرة أن السبب في ذلك هو ضعف مرتبات الأطباء، وغياب برامج التدريب للدراسات العليا، وسوء بيئة العمل في المستشفيات المصرية، وفي نفس الوقت زيادة إغراءات السفر للخارج وتسهيل متطلبات السفر، مما جعل من السهل على أي طبيب مصري السفر إلى الخارج بعد فترة أعداد بسيطة.
والحقيقة أن أعداد الطلاب المقبولين في كليات الطب المصرية (٩-١٠ آلاف طالب سنويا)، وأعداد الخريجين منها قد زادت في السنوات الأخيرة، ولكن ما حدث هو أن أصبح العمل في الداخل غير ذي جدوى، وأصبح السفر إلى الخارج أكثر سهولة، ولذا فقد سافر عدد أكبر من الأطباء خارج مصر وحدث العجز الملحوظ حاليا.
ولعلاج هذه المشكلة، لا بد من وقف نزيف الأطباء أولا، ثم زيادة أعداد كليات الطب لزيادة أعداد الخريجين، ولكن ذلك سوف يستغرق ما لا يقل عن عشر سنوات (هي مدة تعليم وتدريب الأطباء)، والتي لايمكن اختصارها بدفعات استثنائية أو ما شابه ذلك، لأن برامج التعليم والتدريب للأطباء محددة بالساعة واليوم والأسبوع والفصل الدراسي، ولذا فمن وجهة نظري لا بد من اتباع الآتي:
أولا: زيادة أجور الأطباء لتتناسب مع متطلبات الحياة الكريمة. وسوف يساعد تطبيق التأمين الصحي الشامل في ذلك.
ثانيا: اعتماد برنامج تدريبي واحد لكل الأطباء تشرف عليه هيئة مستقلة (هيئة البورد المصري)، وأن يكون لكل خريج مكان للتدريب العام والمتخصص حسب القواعد الدولية.
ثالثا: تحسين بيئة العمل بحماية الأطباء بقانون عادل لمزاولة المهنة، وتوفير أدوية ومستلزمات وأجهزة تضمن تقديم خدمة طبية معقولة، وهذا لن يتحقق دون زيادة موازنة وزارة الصحة والسكان.
رابعا: دمج المستشفيات الجامعية ومستشفيات وزارة الصحة في كيان واحد ماليا وإداريا، تحت مسمى المجلس الأعلى للصحة كما كتبنا عن ذلك سابقا، والسماح لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية بالعمل في مستشفيات وزارة الصحة وتدريب الأطباء، مقابل أجر مجزٍ.
وأخيرا: إنشاء كليات طب أهلية (غير هادفة للربح)، تابعة للجامعات الحكومية أو جامعات خاصة بقواعد جودة لاتقل عن المستوى الدولي. مع العلم بأن ذلك لن يكون له مردود قبل عشر سنوات من الآن.
والله الموفق والمستعان.