رئيس التحرير
عصام كامل

أخطاء الترقيم في السطر السياسي اللبناني !


النقطة هي أهم علامة ترقيم في السطر السياسي اللبناني، فهي دائما ما تعني في السياسة اللبنانية أن السطر قد انتهى ههنا، حتى وإن كان للسطر بقية.


فإذا تحدثت، مثلاً، إلى أي سياسي من مؤيدي فريق 14 آذار (الذي يضم تيار المستقبل، حزب الكتائب، القوات اللبنانية.. وغير ذلك من القوى السياسية) عن الثورة السورية، سيقول لك:" إن بشار الأسد ديكتاتور ونقطة على السطر". وإذا حاولت أن تكمل له السطر بالتفجيرات التي تستهدف مدنيين، وبالمتطرفين من جبهة النصرة، وأن الأمر قد يحمل في طياته مؤامرة على سوريا لأنها تمثل محورا ممانعا لإسرائيل، وساعدت حزب الله في حربه عام 2006، وأن أصابع القاعدة تلعب هناك، سيكرر لك قوله: "الأسد ديكتاتور يجب إسقاطه ونقطة على السطر".

في حين سيقول لك أي سياسي من فريق 8 آذار، الذي يضم (التيار الوطني الحر، حزب الله، حركة أمل، وجزء من سنة لبنان كمعسكر عمر كرامي، وتيار المردة)، أن "الهدف هو إسقاط محور المقاومة ونقطة على السطر".

وسيكمل قائلا: "إن المعارضة تستخدم السلاح وتضم سلفيين متطرفين ونقطة على السطر". وإذا حاولت أن تذّكره بأن الثورة السورية بدأت سلمية واستمرت 6 شهور على هذا النحو، وأن المعارضة المسلحة بدأت عندما قصف الأسد "درعا" بالدبابات، سيقول لك، أنه لا يستطيع أن يقرأ سطر الثورة السورية من أوله، هو يقرؤه منذ بداية المعارضة المسلحة.

وإذا حاولت أن تعيد له ذاكرته بأن نظام الأسد مثل غيره من الأنظمة العربية، بل كان أكثر قمعاً وفتكا بمعارضيه وأن بشارا لم يكن ليتنحى سلمياً، سيقول لك أن بشار الأسد أصدر دستورا جديداً، ثم يضع النقطة على السطر قبل أن يكتمل لأن بقية السطر تقول أن دستور بشار يعطي للأسد الحق في أن يظل رئيساً لسوريا لسبع سنوات قادمة.

وإذا حذرت أحمد الأسير إمام مسجد "بلال بن رباح في صيدا" من دعاوى الفتنة الطائفية التي يطالب فيها بطرد العائلات الشيعية من "صيدا" سيقول لك " أنه يدافع عن السنة في لبنان ونقطة على السطر".

ولو سألت أحد أعضاء حزب الله عن السبب المنطقي وراء الدفع بقواته لمدينة "القصير" الموجودة داخل الحدود السورية سيرد دون تردد أن "حزب الله يدافع عن الشيعة اللبنانيين في القصير" ونقطة على السطر.

النماذج على استخدام النقطة في الترقيم السياسي اللبناني وفيرة، فقوى 14 آذار يعتبرون أن حزب الله اجتاح بيروت في 7 آيار 2008 واستخدم السلاح في الداخل ونقطة على السطر. وهم سيحذفون من السطر حقيقة أن فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، هو من أشعل فتيل الفتنة عندما طلب من الجيش تدمير شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، وهي الشبكة التي يستخدمها الحزب في الاتصال لأن شبكات الاتصال الأرضية واللاسلكية مخترقة من جانب إسرائيل.

التاريخ اللبناني يمتلئ بالنقاط الموجودة في منتصف السطر، والواضح أن "الفصلة"، التي تربط جملة ذات شقين غير موجودة في علامات ترقيم السطر السياسي اللبناني، وغياب الفصلة يعني أن الساسة اللبنانيين وجماهيرهم لا يستطيعون قراءة الحقيقة كاملة، وقد يكون غياب "الفصلة" " هو السبب الرئيس وراء عدم وجود كتاب لتاريخ لبنان صادر عن وزارة التعليم في لبنان.

فحتى هذه اللحظة لا يوجد كتاب لتاريخ لبنان، حيث لا يستطيع أساتذة التاريخ ومؤرخوه أن يكتبوا سطور كتاب التاريخ، وكيف سيكتبونه والنقطة "تركض" وراءهم وتلاحقهم، فيفضلون ألا يكتبوا التاريخ من أساسه، وأن يتركوا لكل طائفة سياسية أن تكتبه كما تحب وأن تضع النقطة في بداية السطر أو في منتصفه بدلا من نهايته.

ركض اللبنانيون في ظهر يوم الأحد الماضي في سباق "نصف ماراثون طرابلس الدولي الرابع" والذي جاء بعنوان "الهدف واحد خلينا نركض للسلام"، (فصلة) وبعد ساعات قليلة وتحديداً في مساء اليوم نفسه وفي طرابلس أيضا سقط قتيلان في اشتباكات بالصواريخ بين السنة في باب التبانة، والعلويين في جبل محسن.

لم يتوقف اللبنانيون كثيراً أمام التناقض بين "السلام، والطائفية"، لأن التوقف يذّكرهم بأنهم لا يستطيعون أن يضعوا نقطة على السطر، فسلام الصباح انتهى بدماء في المساء، هكذا جاء السطر كاملاً.

في السطر السياسي اللبناني قوى سطرت رمزاً للصمود ضد إسرائيل وضد عدو جاثم غاشم، (فصلة) ولكن القوى نفسها تدافع بشراسة عن ديكتاتور مازال جاثما على صدر شعبه مثل والده، (فصلة) وفي السطر نفسه قوى سياسية تؤيد الثورة السورية وتطالب للشعب السوري بالحرية والديمقراطية، (فصلة) ولكنها في الوقت نفسه على استعداد للتعاون مع العدو الإسرائيلي للتخلص من فرقائهم اللبنانيين، وفي لبنان قوى سياسية قالت أن السلاح للدفاع عن "الأقصى" في فلسطين، (فصلة) ولكنها تستخدمه للدفاع عن "النظام" في سوريا.

وفي لبنان أيضا قوى سياسية تنادي بإلغاء الطائفية، (فصلة) ولكنها لن تتحاور أو تتفاوض على مايحمي طائفتها، وفي لبنان قوى تطالب بعدم تنفيذ أجندات إيرانية، (فصلة) ولكنها تنفذ أجندات سعودية وعربية (ونقطة في آخر السطر).

هكذا هو السطر السياسي اللبناني دون علامات ترقيم خاطئة، ولكن قبل أن يصل قارئ هذا المقال إلى النقطة الموجودة في آخر السطر، "سيمصمص" شفتيه ثم يحذف بعض أجزائه من ذاكرته قبل أن يستبدل كل فصلة بنقطة، لينقسم السطر إلى سطور، وقتها سيبتسم ويشعر بالفخر لأنه مازال على سطره يسير وفي يده "نقطته" يضعها أينما يريد.


الجريدة الرسمية