رئيس التحرير
عصام كامل

الحرب الاقتصادية ضد احتكار "فيس بوك" و"أمازون" و"جوجل"


تحدثنا في المقال السابق عن مستقبل مصر الاقتصادي من خلال ثورة تكنولوجيا المعلومات، ولكن أخطر ما أشرنا له احتكار الشركات لقطاع big data لدى شركات بعينها، وتحليل معلومات المشتركين لاستخدامها في أغراض عديدة أبرزها التسويق، وأخطرها توجيه الرأي العام والتلاعب في الانتخابات.


رغم أنها قد تكون معلومات شخصية مملوكة لأصحابها، ولكنها أصبحت تشكل ثروة احتكرتها "فيس بوك" و"أمازون" و"جوجل"، ولا تستطيع الشركات الناشئة المنافسة بأي شكل من الأشكال، وليس أمامها إلا العمل تحت مظلة هذه الشركات طواعية.

تحدثنا أيضا عن قانون "مور" الذي يوضح تنامي التكنولوجيا بشكل مفزع وانخفاض تكلفتها الإنتاجية، وهذا القانون الذي أطلقه "جوردان مور" أحد مؤسسي "انتل"، يوضح حجم التسارع التكنولوجي المتوقع في عدد الترانزستورات في الأجهزة وأنه يتضاعف كل عامين، مما يعني كفاءة وإمكانيات أعلى وانخفاض تكلفة إلى جانب تطور الرقائق الإلكترونية بشكل مذهل، ليس تراكميا وإنما تضاعفيا، أي أنه يسير بشكل متوالية هندسية وليس عددية..

وبالتالي فإن تضاعف التكنولوجيا يتم كل عامين فقط... تحدثنا عن أثر تنامي تكنولوجيا الذكاء الصناعي نحو تقليل فرص العمل، وفي دراسة أعدها معهد "ماكنزي" عام ٢٠١٨ بعنوان "تسخير الأتمتة من أجل مستقبل ضامن للشغل"، تبين أن نحو ٥٠٪؜ من الوظائف المتعارف عليها حاليا قابلة للاتمتة (التشغيل عبر التكنولوجيا والآلة)، وتوقعت الدراسة أن ٦٠٪؜ من الوظائف ستخضع لتحولات تدريجية وبالتالي سيكون لها تأثيرات كبيرة نحو سوق العمل.

إن مرشحة الرئاسية الأمريكية ٢٠٢٠ "إليزابيث وارن" أعلنت برنامجها لتفكيك احتكار هذه الشركات، وإجبارها على بيع الشركات التي اشترتها، وتبلغ ٥٠٠ شركة ناشئة كقضية مشابهة لتفكيك عملاق البترول "ستاندرد اويل" في القرن التاسع عشر، وشركة (AT&T) في الثمانينيات، لما يسببه الاحتكار على حرية الأسواق والمنافسة البناءة ودعم الشركات الناشئة... عموما فإن دعوة "وارن" قد تأخذ سنوات ولكن هناك دعم دولي للتمرد على احتكار سوق تكنولوجيا المعلومات.

أن "ستاندرد اويل" استطاعت شراء مصافي البترول الصغيرة لتسيطر على نحو ٩٠٪؜ من السوق بما جعلها تتحكم في سعر البترول أمام الحكومة الأمريكية، وتعالت الأصوات في الكونجرس، وفي ١٩١١ صدر حكم المحكمة بتفكيك الشركة إلى ٣٤ شركة صغيرة...

اما شركة (AT&T) التي احتكرت قطاع الاتصالات في أمريكا فقد صدر حكم بتفكيكها سنة ١٩٨٢ إلى ثماني شركات.

أن قضية التلاعب في الانتخابات وتوجيه الرأي العام عبر الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي دقت جرس إنذار ضد تضخم قوة هذه الشركات ضد إرادة الشعوب، وإسقاط دول، ودعم أنظمة من خلال صفقات مشبوهة كان الدافع نحو الحراك العالمي ضد احتكار هذه الشركات لبيانات المشتركين، ويخشي البعض لاستغلالها مستقبلا في تقويض الحرية الشخصية.. أن المعلومات أصبحت ثروة احتكارية لا تقل عن قيمة البترول، ولكنها من حق مالكيها والتلاعب بها يعد غير أخلاقي ضد مصالح الشعوب.

على الصعيد الآخر هناك أصوات في دول أوروبا بقيادة فرنسا تسير نحو إجبار هذه الشركات على دفع الضرائب، لأنها تتلاعب وتتخذ ملاذات ضريبية معفاة بشكل فاضح كما أعلنتها قناة bbc.

على الجانب الآخر ففي معارك الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة حظرت الصين العديد من الشركات، وأنتجت البديل محليا.. ببساطة اعتقد انها حرب تكنولوجية اقتصادية في المقام الأول، تتضح مع حظر "هوواوي"، ولكن الاخطر أن هناك طرف أمريكي داخلي جديد ضد الشركات الأمريكية، وعبر عنها "بوتين" بوضوح أن الدولة التي ستتحكم في الذكاء الصناعي خلال الصراع ستصبح القوة العظمي القادمة.
الجريدة الرسمية