«أهلها في رباط إلى يوم القيامة».. يوميات «الأنبا بندليمون» في إفطار الصائمين على طريق دمياط
منذ نحو أربعة أيام، وبينما كانت السيارات المارة بالطريق السريع لمدينة "فارسكور" بمحافظة دمياط، تتدافع ويتسارع ركابها بأقصى سرعة لديهم للوصول إلى منازلهم بعد أن سُمع دوي مدفع الإفطار، وأطلقت المساجد صيحتها الأولى إيذانا بموعد الإفطار بعد صيام يوم شاق في ظل ارتفاعات متتالية في درجات الحرارة شهدتها البلاد منذ الساعات الأولى من صباح هذا اليوم، كان الأنبا "هشام بندلي" أو بندليمون قمص كنيسة الروم الأرثوذوكس بمدينة دمياط يقف في منتصف الطريق رفقة مجموعة من الشباب، ممسكا بعبوات بلاستيكية صغيرة وأكواب من العصائر والتمر هندي، يعطيها لكل مار بسيارته يدا بيد، ملقيا عليه العبارة ذاتها "كل سنة وأنت طيب ورمضان كريم".
مشهد ألهم الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فانتشرت الصورة التي التقطها القمص مع أحد المواطنين على عدد من صفحات "فيس بوك وتويتر"، ممهورة بعبارة "قمص كنيسة دمياط يشارك في إفطار الصائمين على الطريق".
توقفت حركة المرور والتف حوله المارة البعض أراد التقاط صورة تذكارية معه، بينما اكتفى آخرون بإلقاء التحية عليه والدعاء له بدوام الصحة والعافية.
كانت مبادرات "بندليمون" للتواجد دائما في الصفوف الأولى في أية مناسبات أو أعياد خاصة بالمسلمين، بمنزلة ردة الفعل لما يلقاه من حفاوة ومشاركة من جميع مسلمي دمياط ما إن يحل أي من الأعياد المسيحية المقدسة: "بلاقي في أعياد القيامة وكافة أعيادنا كل مسلمي دمياط عندي بيجوا ومعاهم هدايا بيكونوا موجودين منذ قداس العيد حتى انتهاء اليوم، بمرور الوقت البعض أطلق على الكنيسة اسم "كنيسة أبونا بندليمون"، أنا مقدرش في أعيادهم ومناسباتهم ومقفش جنبهم".
يعود المشهد إلى مكالمة هاتفية تلقاها "بندليمون" الأسبوع الماضي من أحد أصدقائه المسلمين المقيمين في مدينة فارسكور، يدعوه لتناول الإفطار مع أسرته والجلوس بعض الوقت معا حتى يحين موعد السحور، "أنا كل يوم في رمضان بكون معزوم على إفطار واثنين وثلاثة، جمعيات أو المحافظة أو مديرية الأمن أو عند بعض الأصدقاء المسلمين، بضطر أروح فطار واعتذر للباقي، من نحو أربعة أيام كنت معزوم عند صديق لي في مدينة فارسكور هنا في دمياط، وصلت وقت الإفطار بالضبط لقيت ناس في الشارع واقفة معاها وجبات مغلفة وعصائر وتمر هندي، وحد منهم شاور لي قال لي يا أبونا تعالى ساعدنا في إفطار الصائمين على الطريق، قلت لهم ده شيء يسعدني جدا أنا معتاد على ده في منطقتنا، لكن أول مرة يكون في الخارج" يتحدث القمص بندليمون.
توقفت حركة المرور والتف حوله المارة البعض أراد التقاط صورة تذكارية معه، بينما اكتفى آخرون بإلقاء التحية عليه والدعاء له بدوام الصحة والعافية.
من بين الملتفين حوله تلك السيدة المنتقبة التي لن ينسى بندليمون المشهد الذي جمعها به، وقفت بسيارتها في نهاية الطريق تلتقط صورة للقمص وهو يدخل رأسه بإحدى السيارات ويلح على قائدها بضرورة كسر صيامه بقطعة تمر أو كمية من العصير، اقتربت نحوه وطلبت منه أن تلتقط صورة تذكارية معه، "قالت لي حضرتك بتوزع وجبات الإفطار علينا بنفسك دي لفتة كلنا مستحيل ننساها، أنا عايزة أتصور معك، قلت لها ده أنا اللي أتشرف إني اتصور معك"، وبالفعل التقط معها الصورة التذكارية وتحول المشهد الذي لم يكن حديثا على بندليمون إلى حفل صغير الكل فيه يهنئ الآخر بروح الوحدة التي ما زالت تتسلل بين جموع المصريين بالرغم من المحاولات الدائبة لزرع بذور التفكك بها، "أنا كانت كل فرحتي إننا لسه في رباط ومحبة مكنتش متخيل الناس هتفرح وتحتفي بي بهذا الشكل أبدا!".
سجل "بندليمون" الذي تخرج في كلية التجارة وعمل تاجرا للمشغولات الذهبية لمدة 20 عاما، قبل أن يُرسم كاهنا للكنيسة عام 2002، مليء بتلك اللفتات التي تجمعه بالمسلمين، وتجعله الصديق المقرب دائما والملاذ الآمن لعدد من مسلمي دمياط وليس المسيحيين فقط، "لما اترسمت في الكنيسة كل الناس كانت بالفعل عارفاني زبائني في المحل وزملائي في المدرسة والجامعة وجيراني، كانت دائرة معارفي منذ البداية كبيرة جدا، لأني مش غريب عليهم أنا ابن منطقتهم، بقوا يقولوا أبونا إحنا عارفينه وعشرة عمرنا، فالناس بيعاملونا كمسيحيين معاملة طيبة جدا، حتى لدى أصدقاء من مشايخ المدينة بنزور بعض بيجوا لي الكنيسة ونقعد نتسامر ونتكلم في مشكلاتنا اليومية".
كانت مبادرات "بندليمون" للتواجد دائما في الصفوف الأولى في أية مناسبات أو أعياد خاصة بالمسلمين، بمنزلة ردة الفعل لما يلقاه من حفاوة ومشاركة من جميع مسلمي دمياط ما إن يحل أي من الأعياد المسيحية المقدسة: "بلاقي في أعياد القيامة وكافة أعيادنا كل مسلمي دمياط عندي بيجوا ومعاهم هدايا بيكونوا موجودين منذ قداس العيد حتى انتهاء اليوم، بمرور الوقت البعض أطلق على الكنيسة اسم "كنيسة أبونا بندليمون"، أنا مقدرش في أعيادهم ومناسباتهم ومقفش جنبهم".
لم يقتصر الأمر على الخروج إلى الطريق العمومي بوسط مدينة دمياط وقت أذان المغرب للمشاركة في إفطار الصائمين على الطريق، فلدى "بندليمون" عادة حرص على القيام بها منذ السنوات الأول لترسيمه كاهنا للكنيسة، وهي جمع أكبر قدر من مسلمي المدينة ودعوتهم لحضور حفل السحور أو الإفطار في الحديقة الملحقة بالكنيسة، فبين أيقونات السيدة العذراء ووليدها، ورائحة البخور الزكية، تنصب المقاعد والطاولات على طول الحديقة كلها، يجتمع المئات من المسلمين ويلتفون حول الموائد:" كل سنة بختار يوم في رمضان بجهز مائدة سحور أو إفطار داخل الكنيسة، كانت الثلاثاء الماضي، واليوم مفتوح للكل حضر نحو 250 عملت لهم سحور جميل جدا قعدنا مع بعض لحد الساعة 4 صباحا، اتسحروا وقعدوا يتكلموا مع بعض ويحتفلوا والناس كانت مبسوطة والأطفال بتلعب".
موقف آخر حُفر في ذاكرة مسلمي دمياط منذ عام وحتى اللحظة الحالية، حينما علم "بندليمون" بتحرك فوج الحجاج التابع لوزارة التضامن الاجتماعي نحو الأراضي المقدسة، أحضر كمية من الورود والشيكولاتة وأنواع أخرى من الحلوى، أبلغ عددا من أصدقائه بأن يتأهبوا لتوديع الحجاج في المطار، أراد أن يبقى معهم حتى اللحظات الأخيرة من وجودهم في أرض الوطن قبل أن تنذرهم مكبرات الصوت بسرعة التوجه للباصات التي تقلهم إلى موقع الطائرة: "كنت من أوائل الناس في المطار بودعهم لقيت الناس كلها اللي طالعة الأتوبيس قعدوا يرددوا تحيا مصر تحيا مصر، كان معايا ناس من الكنيسة وأصدقاء آخرين مسلمين، كان احتفالا جميلا جدا، لما الناس رجعت ناس كتير كتبت على مواقع التواصل الاجتماعي إنه أبونا "بندليمون" جه ودعنا وإحنا رايحين نحج".