صلاح الجمل.. مكانك مش هنا!
عاصفة غضب اجتاحتْ منصَّات التواصل الاجتماعي فجرَ الأربعاء الماضي، فورَ ظهور الطبيب "صلاح الجمل" قارئًا لقرآن الفجر من مسجد السيدة نفيسة رضى الله عنها، حيث لا يزالُ التليفزيون المصري مُحافظًا على نقل شعائر الصلاة خلال أيام شهر رمضان، وهذه من النوادر التي تُحسبُ له، ويجبُ أن يُحمدَ عليها.
منشوراتٌ وتعليقاتٌ لا تخلو من الاستنكار والاستياء والغمز واللمز، في أداء القارئ وإمكاناته، توالتْ على مواقع التواصل الاجتماعى، سواءٌ من قراء ومُبتهلين مُعتمدين بالإذاعة والتليفزيون، أم أساتذة متخصصين، أم مُهتمين بأمر دولة التلاوة، التي تتداعى أركانُها يومًا وراء يوم، بـ"داء المجاملات"، و"فيروس الواسطة"، الذي لا يزال مُتوحشًا بالشكل الذي يتطلبُ تدشينَ "حملة رسمية" على أعلى مستوى للقضاء عليه، على غرار "فيروس سى"، بشرط ألا تكون تحت إشراف وزيرة الصحة والسكان!
رغم أننى كنتُ في صدارة المندهشين من أداء القارئ المذكور، بدافع الغيرة فقط على القرآن الكريم وقرائه، الذين كانوا يومًا ما كواكبَ درية ونجومًا ساطعة في سماء التلاوة، وكان كلٌّ منهم مدرسة مستقلة بذاته في فنونها ودروبها، إلا أننى أشفقتُ كثيرًا على الرجل، وأدائه البائس الباهت، وخشيتُ أن يتعرضَ للحرج من المُصلين، وتنفستُ الصعداءَ عندما أنهى التلاوة بسلامٍ!
المنشوراتُ والتعليقاتُ الغاضبة والثائرة كشفتْ ملابسات اعتماد "الجمل" قارئًا بالإذاعة والتليفزيون، وأقرُّ وأعترفُ بأننى كنتُ أجهلُها، حيثُ بينتْ كيف ولماذا انفرطَ عقدُ دولة التلاوة بشكل مفاجئ وسريع، حتى بدتْ الأرضَ المصرية التي أنجبتْ "محمد رفعت" و"مصطفى إسماعيل" و"المنشاوي" و"الحصري" و"عبد الباسط" و"البنا"، رحمهم اللهُ، وكأنها عقمتْ وتصحَّرتْ وبارتْ إلى الأبد.
وهنا أذكر إجابة إمام الدعاة الراحل "محمد متولى الشعراوي" عندما سُئل عن رأيه في صوت الشيخ "محمد صديق المنشاوي" - رحمه الله- حيث قال: "من أراد أن يستمعَ إلى خشوع القرآن الكريم، فليستمعْ لصوت المنشاوي، إنه ورفاقَه الأربعة: "مصطفى إسماعيل" و"عبد الباسط"، و"البنا" و"الحصري" يركبون مركبًا، ويُبحرونَ في بحار القرآن الزاخرة، ولن تتوقفَ هذه المركبُ عن الإبحار، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها".. هكذا كانت حالَ دولة التلاوة وشأنها، قبل أن تؤول الأمورُ إلى غير أهلها.
"نداءٌ إلى الطبيب صلاح الجمل.. ركزْ في مهنة الطب، واتركْ التلاوة لأهلها؛ لأنك لستَ ولن تكونَ قارئًا"، "صلاح الجمل.. مكانك مش هنا".. ربما كان هذان المنشوران من أكثر المنشورات، التي واكبت تلاوة "الجمل" لقرآن الفجر، تهذيبًا وتأدبًُا، حيثُ بدا أداءُ الرجل ضعيفًا مُتداعيًا مُنهارًا بالفعل ودون أدنى مبالغة، قبل أنْ تتوالى التعليقاتُ وتتهافتْ المشوراتُ الأكثرُ غضبًا وعُنفًا واستياءً وأسيً، والتي اعتبرتْ ما يحدثُ عنوانًا واضحًا وصريحًا على ما آلتْ إليه الأمورُ في الجهات الرسمية والحكومية، إذ بإمكانك أنْ تفعلَ أي شيء، وتكونَ أي شيء، وتخترق َالحواجز، طالما كنتَ مدعومًا، وتمتلكُ ظهيرًا قويًا، تقهرُ به المستحيلَ، وتهدمُ به المنطقَ.
الغريبُ.. أنَّ ظهور "الجمل" في قرآن الفجر خلال رمضان الجاري، لم يكن للمرة الأولى، فقد ظهر قبلها بـ 4 أيام فقط على الهواء مباشرة أيضًا، ولكنْ عبرَ أثير إذاعة القرآن الكريم. وبشهادة من تابعوه.. فإنه لم يكن أحسن حالًا، وتسبب أداؤه في حالة مُشابهة من الغضب والجدل والاندهاش والصدمة والحسرة والحزن.
أما الأغربُ.. فإنَّ بعضَ مسؤولى الإذاعة برروا ظهوره المتكرر على الهواء مباشرة، عبر الإذاعة والتليفزيون، بأنه يُكثر من التشكي وادعاء المظلومية أحيانًا، ويُلوِّح بمعارفه أحيانًا أخرى، ويحدثُ هذا في الوقت الذي يتطلعُ فيه بعضُ القراء والمبتهلين الجُدد إلى الظهور مرة واحدة، والحصول على "نصف فرصة" من فرص "الجمل"؛ حتى يعرفهم الناسُ، رغم أنَّ من بينهم من يفوقُ "الجمل" صوتًا وأداءً وإتقانًا، ولكنهم لا يملكون ما يملك!
الكرة الآن في ملعب رئيس الإذاعة الجديد "محمد نوَّار"، عليه أن يُصحح وضعًا خاطئًا ومغلوطًا وبائسًا، ويضعَ حدًا لمنع ظهور جميع القراء والمُبتهلين الذين تسللوا إلى "ماسبيرو"، وتم اعتمادُهم في غفلة من الزمن، ولا يملكون أدنى المُقومات، ويُوجِّه بإعادة مثولهم أمام لجان اختبار حقيقية وجادة وعادلة وعاقلة ولا تخشى في الحق لومة لائم، بعيدًا عن كروت التوصية وتدخلات أصحاب النفوذ، فتستبعدَ الضعفاء ومعدومى الموهبة؛ حفاظًا على سُمعة مصر وقرائها ومُبتهليها، وقبل كل شيء.. غيرة على القرآن الكريم، فالأمرُ لا يقتصرُ على "الجمل" وحدَه، ولكنه يشمل غيرَه أيضًا، وهم كُثُرٌ، لا يُنكرُ ذلك إلا كذوبٌ أو مستفيدٌ!
أمّا لجان الاختبارات التي اعتمدتْ "الجمل" ومَن في مستواه، فلا أدرى ماذا سيقولُ أعضاؤها لربهم غدًا.. وأمَّا الطبيبُ "صلاح الجمل".. "فمكان حضرتك مش هنا يا دكتور من غير زعل"، فقد تكون طبيبًا رائعًا، أو إمامًا مُجتهدًا، ولكنك تظلمُ نفسَك، وتُحملها فوق طاقتها، وتظلمنا عندما تحشرُها في زُمرة قراء القرآن الكريم، فهذا دربٌ شاقٌ عليك وعليها، ولا يكلفُ اللهُ نفسًا إلا وسعَها، وأعلمُ أنك سوف تقدرُ نصيحتى لك، واللهُ من وراء القصد، وهو يَهدى السبيلَ.