رئيس التحرير
عصام كامل

الأب الشرعي!


الفلسفة الصحيحة لمفهوم مسؤولية النجاح والفشل بسيطة جدا، لكنها في حاجة إلى ترجمة متخصصة واضحة حتى يُدركها الجميع، والحياة في مُجتمعنا مليئة بقصص النجاح والفشل، وكل قصة لها ظروف خاصة وعوامل ومعطيات هامة تقف سببا وراء نجاحها أو فشلها، وأهم هذه المعطيات هي الإدارة..


ورأس الإدارة في أي مؤسسة خاصة أو حكومية، دائما هو الشخص المسؤول عن طرح رؤية مؤسسية مرنة قابلة للنقاش والحوار داخل المؤسسة، ينتج عنها وضع هيكل لعمليات الإدارة وتشكيل وتنظيم مكوناتها المختلفة وتنفيذ ألياتها وتحقيق أهدافها!

ولأن مفهوم فلسفة مسؤولية النجاح والفشل لم تتم ترجمته بشكل صحيح في مجتمعنا، فدائما ما يحدث ربط غير صائب بين أي نجاح أو فشل ورأس المؤسسة، فيصبح بطل الثناء في حالة النجاح وكبش الهجاء في حالة الفشل، وهي معالجة خاطئة ولايجب أن تكون بهذه العدالة!

وببساطة شديدة ومن خلال ترجمة واقعية خبيرة، فإن النجاح هو صناعة كل أفراد المؤسسة، بداية من الأفراد في أقل درجة وظيفية، إلى رأس المؤسسة، وهي فلسفة يتحتم معها أن يصبح النجاح لقيطا، ليس له أبا شرعيا، حيث يستطيع أي فرد من أفراد المؤسسة أن ينسب لنفسه بنوة هذا النجاح، ولولاه ماكان لهذا النجاح أن يكون..

فكثيرا ما نسمع من عامل البوفيه بطريقة الفكاهة "لولا فنجان القهوة الذي أقوم بعمله للموظفين ما استطاعوا أن يقومون بتأدية وظائفهم"، ونسمع عامل النظافة يقول، "بدوني ماكان هناك أي فرد يستطيع أن يجلس في مكتبه دقائق معدودة"، وهكذا يتنافس الجميع بكل بساطة لإثبات نسب النجاح إليهم، حتى نصل إلى رأس المؤسسة ونجده يسرد بإسهاب شديد ما يفعله من تخطيط وتنظيم وإدارة التنفيذ لتحقيق هذا النجاح!

والعكس تماما فِي الفشل، فالفشل لا يوجد من يتسابق أو يتنافس على إثبات نسبه إليه، بل بالعكس، الجميع ينفي عّن نفسه هذه الفضيحة، ويصبح الثابت الوحيد أن رأس المؤسسة هو "الأب الشرعي" لأي فشل دون الحاجة لإجراء تحليل الحامض النووي DNA لهذا الفشل!

أعلم أن هذه الفلسفة قد لا تجد قبولا منطقيا في مُجتمعنا، ولكنها الحقيقة الراسخة في كل المؤسسات العالمية ومتعددة الجنسيات المتميزة والناجحة، وكذلك في حكومات الدول المتقدمة، هي فلسفة يعتمد عليها تصميم النظام والخطط ومؤشرات النجاح والمتابعة والتقييم والتطوير والتقويم، هي فلسفة قائمة على عدم التمييز، حيث لايقل دور عامل النظافة عّن دور رأس المؤسسة..

وهكذا رأيت في الولايات المتحدة حيث أعمل، رأيت عامل النظافة يسير واثق الخطي، يمشي ملكا ولا يخشى من أحد، فهو يقوم بعمله بكل حب وجهد وإخلاص بدافع ذاتي، وجدت مؤسسات لا تفرق بين الموظفين على اختلاف وظائفهم في تقدير جهودهم ودورهم في نجاح المؤسسة..

لم أرى تمييزا بين أي طبقة، ورأيت الجميع لديه قناعة أنه مالك وليس مُستخدم، وشهدت كل شخص يستعد منذ بداية كل عام جديد بفكر مختلف يساعده على تطوير عمله وتحسين أدائه، حتى يري صورته واسمه على جدران وحوائط المؤسسة بعد أن يتم اختياره وتكريمه أمام الجميع، رأيت الجميع يعمل بعزيمة ورغبة وهو ينتظر ١٢ شهرا حتى يكتمل النجاح في بطن المؤسسة ويأتي وقت الفرح بسماع صوت النجاح يخرج حيّا، والجميع يتغني بجملة واحدة هي "هذا النجاح إبني"!

ولأن مفهوم هذه الفلسفة غير واضح كما ينبغي أن يكون، نجد الكثير ممن يتم اختيارهم أو تصعيدهم لشغل المناصب القيادية في مؤسساتنا، لايرون غير أنفسهم، ولا يتحدثون سوى عن أنفسهم وإن تحدثوا بلغة نحن، لم ولن يصدقهم أحد، فنحن دائما وأبدا أفعال، لا أقوال، نحن ممارسة، لا شعارات، نحن عدل دون تمييز، نحن مالك، لا مُستخدم، نحن مشاركة لا استعباد!

اللهم اجعلها ساعة استجابة ونحن في شهر الصيام، أتمني على الله أن يصبح النجاح في مجتمعنا لقيطا، يُدرك فيه كل مسؤول أنه سوف يصبح الأب الشرعي للفشل فقط، أما النجاح فهو عمل جماعي لم ولَن يتحقق إلا بمشاركة الجميع، وأن المشاركة لم ولن تتحقق إلا بالتحفيز، وبذور التحفيز هي العدل وعدم التمييز والتقدير والحب الحقيقي ووجود مناخ صحي للحوار والرأي والإبداع!
رمضان كريم!
الجريدة الرسمية