رسائل سرية.. حكاية 4 نساء أنقذن آلاف الأبرياء من تجارب النازيين (صور)
في ذروة المحرقة النازية حيث تم قتل الملايين في معسكرات، كان هناك من يخاطر بحياته لفضح التجارب التي اجراها العلماء النازيون على نزلاء المعسكر، والذي كان يعرف حينها باسم "التعذيب الطبي الخفي"، فهناك 4 فتيات كافحن لفضح مختبرات أطباء الشر.
بطريقة مثيرة قامت 4 نساء ببث التفاصيل القاسية والكاملة لمعسكرات أطباء الشر النازيون وعرضها أمام العالم من خلال إرسال رسائل مشفرة إلى عائلاتهن يصفن المعاملة القاسية التي يتعرضن لها داخل المعسكر، وذلك عن طريق استخدام "البول" الذي يعد حبر غير مرئي مقتبس من بولهن.
فن الإخفاء
بعد مرور أكثر من 70 عامًا، تم سرد قصة هؤلاء النسوة الأربعة في سلسلة من المقابلات التي تشكل جزءَا من كتاب الدكتور ديفيد جيل المرتقب بعنوان "فن الإخفاء".
ويروي الكتاب، أن إحدى بطلات الحرب العالمية الثانية كانت امرأة بولندية تدعى" Krystyna Czyz"، والتي تعرف بأنها غزت القوات الألمانية مسقط رأسها في لوبلان في سبتمبر 1939 عندما كانت تبلغ من العمر 15 عامًا فقط، مما أدي إلى نقلها عام 1914 إلى معسكر اعتقال "رافنسبروك" بعد تعرضها للاستجواب التعسفي واتهامها بالعصيان.
وفي العام التالي وتحت إشراف كارل جيبهارت، الطبيب الشخصي لزعيم قوات الأمن الخاصة هاينريش هيملر، بدأ الأطباء النازيون في جر السجناء إلى مختبراتهم لإجراء فحوصات طبية مرضية، ومن بين 74 شخصًا من البشر يطلق عليهم اسم "الأرانب" كانت "كريستيا" و3 نساء أخريات هن Wanda Wijtasik وJanina Iwaska وشقيقتها Krystyna Iwaska، عانين جميعهن من آلام مبرحة على أيدي أطباء المخيم الذين شقوا جسدهم بشظايا من الزجاج المكسور وغير الطاهر للتسبب عمدًا في إصابتهن.
بسبب الصدمة النفسية التي تعرضن لها بعدما شاهدوه، عزم الأربعة نساء على إيجاد طريقة لكشف التفاصيل المخادعة لتجارب المخيم في العالم، وفضحهم على مرأي الجميع.
خطاب أسري
كان المسموح لهن إرسال خطاب واحد إلى أسرهن كل شهر، إلى جانب فرض رقابة شديدة على المحتوى المرسل، ولا يسمح بإرسال الرسائل التي تتحدث عن حياة المعسكر، لكن النساء تمكنَّ من وضع خطة بارعة لكتابة رسائل خفية في رسائلهن ولن يتم رصدها من قبل حراس المعسكر، حيث أدركن أنهم إذا غمسوا عصيهم في البول، فإن الكلمات ستختفي بسرعة من الصفحة، حيث يفقد السائل لونه، وبعد تسخين البول فإنه يظهر مرة أخرى، وبالتالي يكشف الكلمات الموجودة على الصفحة.
27 رسالة سرية
بين عامي 1943 و1944، خاطر النساء بحياتهن لإرسال 27 رسالة من هذه الرسائل على أمل تسليط الضوء على سوء معاملة نزلاء المخيمات إلى العالم، لكن خطتهن اعتمدت على أسرهم في فهم الحروف المملة التي تحتوي على رسالة مشفرة واكتشاف كيفية فك المعنى الحقيقي.
وتركت كريستينا فكرة في إحدى الرسائل التي أرسلتها إلى شقيقها، والتي اعتقدت أنها ستكتشف التلميح، حيث أسقطت اسمًا معينًا للكتاب الذي قرأه الأشقاء كأطفال يرسمون قصة صبي يرسل رسائل سرية، في البداية كان أخيها في حيرة من الإشارة الغريبة للكتاب، لكنه أدرك فجأة أن كريستينا كانت تخبره بأنها هي أيضًا أرسلت رسالة مشفرة، وقام بعدها بمسح الصفحة بحثًا عن أدلة ووجد نمطًا متجانسًا من الحروف التي شكلت الكلمات "list moczem"، والتي تُترجم إلى "حرف في الحبر".
بعد تسخين الورقة ظهرت الكلمات المخيفة "قررنا أن نخبرك بالحقيقة الكاملة" في هوامش الصفحة متبوعة بتفاصيل التجارب المروعة.
وفي مايو 1943، تلقى والد احدي النساء الأربعة خطابًا لطلب منه المساعدة في تخطيط هروب النساء، الأمر الذي نجحوا فيه وتمكنوا من مساعدة 5 سجينات سياسيات بولنديات في الهرب، حيث أنه خلال الحرب العالمية الثانية تم سجن نحو 40 ألف امرأة بولندية في معسكر النازيين.
الحياة من جديد
بعد أن تمكنت النساء الأربعة من إيصال الرسائل إلى الإذاعة ووسائل الاعلام والمساهمة في فضح الجرائم داخل معسكرات الأطباء الأشرار، تمكنوا من إنقاذ آلاف النساء، وأصبحت كريستينا أكاديمية، وواندا طبيبة نفسية، وجانينا صحفية، وشقيقتها الصغرى كريستينا طبيبة، كما تم إدانة كارل جيبهاردت بارتكاب جرائم حرب في محاكمات نورمبرج وتم إعدامه في يونيو 1948.