رئيس التحرير
عصام كامل

«التسعيرة الجبرية» خارج حسابات «التموين».. خبراء اقتصاد يطالبون بإنشاء جهاز لمراقبة الأسعار ومحاسبة التجار.. وتحصيل الضرائب على أرباح السلع بدءًا من يوليو المقبل


«زيادة تتبعها زيادات أخرى».. سيناريو توقع خبراء الاقتصاد حدوثه في جميع الأسواق، بعد إعلان الحكومة عن الزيادة المقررة لأسعار الكهرباء في يوليو المقبل، وهو ما يعنى أن الحكومة، ممثلة في وزارة التموين، ستجد نفسها في مأزق كبير، لا سيما وأنها تتحمل مسئولية السيطرة على الأسعار في الأسواق، هذا إلى جانب أنها تتعامل وجهًا لوجه مع التجار الذين يوجد بينهم من سيلجأ إلى المبالغة في زيادة الأسعار.


وتجدر الإشارة هنا إلى أنه سبق وأن أوصى مجلس النواب بفرض التسعيرة الجبرية على قائمة من السلع الأساسية، لمواجهة الغلاء، بالتزامن مع ظروف الإصلاح الاقتصادى الذي تمر به البلاد، ورغم إصدار وزارة التموين قرارًار وزاريا رقم 217 لسنة 2017، بإلزام المنتجين بكتابة الأسعار على عبوات المنتجات الغذائية، والذي تضمن التزام الجهات والشركات المنتجة والمستوردة «لمنتجات تُعبأ محليًا» والمصنعة والمعبأة والموردة للسلع الغذائية بتدوين «سعر البيع للمستهلك» على كل عبوة، باللغة العربية وبخط واضح لا يقبل الإزالة والمحو.

تراجع
إلا أن «التموين» تراجعت عن إلزام المنتجين بكتابة الأسعار على السلع من خلال إصدارها القرار الوزاري رقم (330) لسنة 2017، بشأن تعديل المادة الأولى من القرار رقم (217) لسنة 2017، والخاص بكتابة الأسعار على السلع لتكون على النحول التالي: «تلتزم كافة الجهات والشركات المنتجة والمستوردة والمصنعة والمعبئة والموردة للسلع الغذائية بإصدار فواتير ضريبية متضمنة البيانات التي توضح سعر بيع المصنع والسعر المقترح للمستهلك وحقيقة السلعة وكميتها طبقًا للقوانين الصادرة بشأن الفواتير الضريبية» وعاد حديث خبراء الاقتصاد ما بين مؤيد ومعارض عن مدى إمكانية الالتزام بـ«التسعيرة الجبرية» كأحد الحلول لمواجهة انفلات الأسعار وجشع وتلاعب التجار واستغلال ارتفاع الأسعار للكهرباء أو الوقود على حد سواء.

استحالة التطبيق
بينما ترى وزارة التموين استحالة تطبيق التسعيرة الجبرية في ظل اقتصاديات السوق الحر، والاعتماد على المكون الأجنبي في الصناعات التي تصل إلى ما يقرب من 60 %، بالإضافة إلى عدم سيطرة الدولة على جميع الأسواق والصناعات والمنتجات.

ومن جانبه قال الدكتور العربي أبو طالب، رئيس الاتحاد العام للتموين والتجارة الداخلية: «الحكومة غير مسيطرة على كافة الأسواق لتتمكن من فرض التسعيرة الجبرية، لكن هناك ما يسمى بالتسعيرة الاستقرابية، والتي لا تسري إلا على بعض السلع في كافة أنحاء الجمهورية مثل السجائر، المشروبات الغذائية، الصحف تذاكر المترو والقطارات والطائرات، أسطوانات البوتاجاز، الأدوية المياه المعدنية.. وغيرها، وتلك السلع أسعارها محددة ومعروفة».

سلع التجارة الدولية
وأضاف أن «هناك سلعا أخرى تخضع لقانون التجارة الدولي والسوق الحر، وتتنوع أسعارها وفقا للمواصفات وجودة المنتج والتكلفة النهائية، فمثلا يوجد سلعة واحدة لها أكثر من صنف مثل (المانجو، السيارات.. وغيرها)، فتختلف أسعارها حسب جودتها ومواصفاتها» كما أكد أن «التسعيرة الجبرية لا تتفق مع الاقتصاد الدولي العالمي والسوق الحر، ولكن هناك بدائل يمكن أن تؤدى إلى الحد من جشع التجار واحتكار السلع ورفع الأسعار»، مقترحا إنشاء جهاز يتولى مهمة محاسبة صاحب المنتج على سعر التكلفة التي يتكلفها للمنتج، وثمن بيعه للجمهور، خاصة بعد تراجع وزارة التموين عن تدوين سعر البيع للمستهلك على المنتج دون الإعلان عن أسباب ذلك، رغم أن القرار كان يصب في صالح المواطن».

تحصيل الضرائب
وأوضح أن «إنشاء هذا الجهاز يضمن تحصيل الضرائب المناسبة على أرباح ومكاسب السلع والمنتجات، بعد معرفة التكاليف الفعلية للمنتج وسعر بيعه للمستهلك، ومنع تهرب هؤلاء المنتجين للسلع والتجار من الضرائب، بالإضافة إلى التحكم في وضع سعر بيع مناسب للسلعة بما يتوافق ويتلائم مع سعر التكلفة ويضمن تحقيق هامش ربح لصانع السلعة وكذلك سعر مناسب للمستهلك، خاصة أن هناك بعض السلع تكون تكلفتها مثلا 5 جنيهات، ويتم بيعها للمستهلك بـ20 جنيها، ولا يعقل أن مبرر فارق هذا السعر يتمثل في حلقات التداول للسلع».

«أبو طالب» أشار أيضا إلى أن القانون حاليا لا يحاسب سوى بائع التجزئة فقط على عدم الإعلان عن الأسعار، تاركًا منتج وصانع السلعة نفسها الذي يجب أن يلتزم بتحديد سعر البيع للمنتج بما يتناسب مع تكلفة إنتاجه، مؤكدا أن هذا الجهاز سيساعد على الحد من جشع التجار والقضاء أيضا على حلقات التداول، خاصة بعد أن يلتزم كل مصنع بتدوين سعر المصنع «سعر التكلفة» وسعر البيع للمستهلك، ومنحه مهلة 6 أشهر لتوفيق أوضاعه، والكتابة على العبوات الجديدة سعر البيع والسعر للمستهلك.

كما شدد على أن «الدولة يجب عليها زيادة منافذ القطاع العام وإنشاء أسواق ومراكز تجارية لوجيستية، بما يحقق توافر السلع بكميات كبيرة يساهم في استقرار أسعار، والقضاء على حلقات التداول التي تؤدي إلى رفع أسعار السلع، وإلزام البائع في تلك الأسواق بالبيع بأسعار محددة، بشرط أن تتوافر سلع بمواصفات وجودة عالية بنفس جودة القطاع الخاص بأسعار مناسبة».

وتابع: مشكلة القطاع العام الذي يدير المنظومة السلعية اختيار القيادات والقائمين على تلك الشركات التابعة للدولة من «الأقرباء أو المعارف»، دون مراعاة معايير الكفاءة والقدرة على إدارة المنظومة السلعية باحترافية، رغم أن تلك الشركات المسئولة عن ضبط الأسعار، فنجد مثلا أنه يتم التعاقد مع أصحاب المصانع والموردين بأسعار مرتفعة، وأكبر مثال على ذلك وجود سلعة السكر بالمجمعات الاستهلاكية – على سبيل المثال – بسعر 9.5 جنيه، وهي إحدى منافذ الشركات التابعة للقطاع العام، بينما نجد كيس السكر في القطاع الخاص بسعر 8 جنيهات فقط، وهذا يعني أن التعاقد مع الشركة الموردة للسكر بأسعار مرتفعة، نتيجة سوء الإدارة، والخاسر الوحيد في تلك المنظومة هو المواطن.

مواجهة ارتفاع الأسعار
من جهته رفض الدكتور عمرو مدكور، مستشار وزير التموين، فرض التسعيرة الجبرية كأحد الحلول لمواجهة ارتفاع الأسعار وجشع التجار، قائلا «لا توجد دولة في العالم تطبق التسعيرة الجبرية، وإنما الحل يتمثل في مراقبة الأسواق لضبط الأسعار، وهو الدور الذي تقوم به وزارة التموين من مراقبة الأسواق، وسعيها مؤخرا لإنشاء أسواق ومراكز تجارية لوجيستية ومنافسة أيضا، تجبر التاجر بتسعيرة محددة مكتفيا بهامش ربح مناسب منها»، وأوضح أن «الوزارة أيضا تواجه جشع التجار من خلال زيادة المنافذ السلعية سواء عن طريق مشروع جمعيتي أو من خلال السيارات المتنقلة لتوفير السلع التي يحتاجها المواطنون بأسعار مخفضة، وهذه الإجراءات تجبر التاجر التراجع عن جشعه واستغلاله الأزمات».

في حين قال رأفت القاضي، رئيس فرع الاتحاد العام لمفتشي التموين والتجارة الداخلية بالقاهرة: الحل لمواجهة أزمات استغلال التجار للأزمات تتمثل في وجود حملات مكثفة على الأسواق لضبط السوق والأسعار، وتفعيل القرار الوزاري رق 330 لسنة 2017 بتدوين الأسعار على السلع، ليكون معلنا وواضحا للجمهور، وتنفيذ العقوبات الرادعة للمخالفين.

وتابع: ما يعيق الرقابة التموينية من السيطرة على ضبط الأسواق والحد من جشع التجار واستغلالهم للأزمات تتسبب في زيادة أسعار السلع، نقص مفتشي التموين الذين لديهم الضبطية القضائية، والتطبيق لاقتصاديات السوق الحر الذي يخضع لآليات العرض والطلب الذي أدى إلى إلغاء التسعيرة الجبرية.

وأكد أن ضعف الرقابة أدى إلى عدم تفعيل بعض التجار للقرار الوزاري رقم 330 سنة 2017 بتدوين أسعار السلع، مما أدى وجود أسعار غير مبررة لا ترتبط بالتكلفة الحقيقية للمنتج، وقال «القاضي»: إن «الاقتصاد والسوق الحر يمنع تطبيق التسعيرة الجبرية، ولكن الاقتصاد الحر لا يعني انتشار فوضى الأسعار وزيادتها دون مبرر، فقد ينجم عن زيادة الكهرباء أو الوقود ارتفاع السلع بمقدار جنيه على سبيل المثال، ولكن في الواقع يقوم التجار برفع الأسعار بشكل مبالغ فيه» كما أشار إلى أن ارتفاع الأسعار غير المبرر يتطلب تدخل سريع من الدولة من خلال فرض هامش ربح وليكن 10 % على السلع، وبالتالي لا تتم زيادة سعر السلع عند هامش الربح المحدد للتاجر من قبل الدولة، مطالبًا بضرورة تفعيل القرار الوزاري 330 بإلزام المنتجين بتدوين الأسعار على السلع، بحيث يتم تدوين سعر البيع بالتجزئة للمواطن، وسعر الجملة على العبوات، ومؤكدا أن هذا القرار غير مفعل حتى الآن.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية