«الشرق الأوسط فوق بركان».. ترامب يستخدم الحرب ضد إيران لابتزاز العرب..واشنطن تستغل الانشغال بالمواجهة مع طهران.. وتبدأ تفعيل بنود صفقة القرن عقب نهاية شهر رمضان
>> نفط الخليج واستقرار مصر أبرز أهداف المخطط القذر.. وتوقعات بضربة خاطفة لمفاعل نووي مهجور لاكمال التثيلية
بات من الواضح أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وضع منطقة الشرق الأوسط برمتها فوق طاولة مقامرة دولية كبيرة، وجعل من دولها مجرد "روليت" تحقق المكاسب للاعبين والخسائر لشعوبها.
الصراع الإيرانى- الأمريكى المتصاعد، ليس سوى جزء من سيناريو كبير ترسمه إدارة ترامب، يستهدف في الأساس نفط الخليج، واستقرار مصر، واختطاف فلسطين، وأخيرا ينعكس بشكل أساسي على مستقبل ترامب السياسي، الذي بات من الواضح أنه يرهن إطلاق رصاصة الحرب كأول بطاقة في صندوق الاقتراع الخاص بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وبالرغم من اللهجة العنترية المتبادلة بين طهران وواشنطن، يبدو أنه لا حرب في الأفق حتى الآن.
ومن المرجح أن دخان التصريحات الكثيف مجرد ستار لإعلان ما تسمى صفقة القرن عقب انتهاء شهر رمضان، وأصوات الدبلوماسية والتهديدات العسكرية المتشنجة حاليا ترمى بشكل واضح وطريقة مكشوفة لخطف الأنظار بعيدا عن "قدس العرب" إلى "قم الفرس"، وهو الأمر الذي نجحت فيه واشنطن بقوة حتى الآن، ومن غير المستبعد تنفيذ ضربة خاطفة تستهدف هيكل مفاعل نووي مهجور لاكتمال السيناريو.
على الضفة الأخرى من نهر الأزمة، يستهدف ترامب المزيد من أموال دول الخليج، وسياسة بث الرعب التي يتبعها الآن ما هي سوى مقدمات لتوقيع المزيد من شيكات التسليح على بياض، إضافة إلى دفع رسوم الحماية العسكرية التي اعتاد الحديث عنها بدون ضوابط دبلوماسية خصوصا بعد تسريب معلومات حول موافقة خليجية على إعادة انتشار القوات الأمريكية في مياه الخليج العربى وفى بعض الدول هناك.
في المقابل تساعد الجمهورية الإسلامية في تنفيذ هذا السيناريو من خلال سلوكها السياسي المقلق، وتربصها باستقرار دول الجوار، فهى –طهران- تتعمد التمدد في المنطقة الشرقية بالسعودية، ولا تخفى دعمها العسكري والمادي لميليشيات الحوثى الانقلابية في اليمن، كما تتمدد في سوريا وتنشر ميليشياتها المسلحة في العراق، وبالطبع ليست البحرين بمنأي عن هذه السلوكيات، كما هو حالها من خلال معاونة حزب الله في لبنان.
خريطة التواجد الإيرانى المقلق للجميع سهلت على الإدارة الأمريكية الجمهورية تبنى خطاب عدائى، ولهجة تصعيد تمكنت من خلاله في تفزيع العرب، وتحويل بوصلة عدائهم التاريخى من الاحتلال الإسرائيلى اليهودي إلى إيران الإسلامية "الشيعية"، وبعد انتهاء أو إنهاء الفزع من تنظيم "داعش" الإرهابى، كان لابد من خلق عدو جديد يسهل مهمة امتصاص مال العرب ومصادرة قرارهم.
وحسب مراقبين للمنطقة فإنه لا حرب سوف تحدث كما أنه لا سلام، وسوف يظل هذا التصعيد مستمرا على مدار الشهور المقبلة، لحين تمرير صفقة القرن، في ظل ضمانة الصمت العربى، مع سقوط باقى الأنظمة العربية الناجية من تسونامى 2011، وأصبحت السودان غارقة في مشكلات داخلية بما لا يقل حالا عن الجزائر التي يصارع جيشها المجهول القادم على أمل الحفاظ على الدولة من الانهيار الكامل، ولقناعة الحلف الأمريكي الإسرائيلى، بقدرة إيران تاريخيا على استغلال القضية الفلسطينية في مداعبة مشاعر شعوب المنطقة التي باتت هي المؤرق الحقيقى لأي قرار، فإن خطة التصعيد الحالية هدفت لإخراجها من دائرة فلسطين واكتفائها بتصريحات متعلقة بشأنها الداخلى وحربها المحتملة مع أمريكا.
المواجهة مع إيران، باتت في حكم المنطق السياسي طبقا لتطورات الأحداث "حرب ضرورة" يري الجانب الأمريكى على ما هو واضح تأجيلها لحين تمرير الصفقات والقرارات الواحد تلو الآخر، لتبقى رصاصته الأولى رهينة بانتخابات الرئاسة الأمريكية يطلقها ترامب كبطاقة أولى في صناديق الاقتراع، على غرار أسلافه من حكام البيت الأبيض، الذين اعتادوا صناعة الحروب ضمن البرامج الانتخابية للولاية الثانية من حكمهم، ليبقى قرار الإعلان متروكا لغلطة ترتكبها الجمهورية الإسلامية تمكن واشنطن من التحرك نحو مجلس الأمن، بهدف استصدار قرار بمباركة دولية يمكنها من خوض هذه المعركة مدعومة بتحالف إسرائيلى، ومعاونة عربية إجبارية يعيد للذاكرة حرب بوش على العراق التي باتت على وعد مع الخسارة الكبرى في كل تحرك عسكري إقليمى تخوضه أمريكا.
مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في الشرق الأوسط، تواجه العراق تهديدًا عميقًا ينال من الأمن والاستقرار السياسي فيها، في حال استمرار حالة الصراع بين الطرفين، والتي قد تؤدي في النهاية إلى صراع عنيف يكون أكبر المتضررين من تداعياته العراق، بعد انتزاعه انتصارا صعبًا على التهديد الإرهابي الذي شكله تنظيم "داعش" على مدار سنوات، ومواجهة تحديات ما بعد الصراع التي ترتكز على إعادة إعمار المدن المدمرة -حيث يوجد أكثر من مليون نازح داخليًا غير قادرين على العودة لديارهم- وإحياء قطاعات الطاقة والزراعة والتعليم والسكن والنقل والرعاية الصحية، مما يعقد الوضع بطرق لا يمكن تخيلها للعراق حتى لو لم يشارك مباشرة في الصراع بين البلدين.
ويرى معهد "أتلانتك" للبحوث والدراسات الإستراتيجية، أن الصراع العسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران يمكن أن يوقف، أو يقلل بشكل كبير، تدفق النفط عبر مضيق هرمز، والذي من شأنه تعطيل معظم صادرات النفط العراقية، بما ينبئ بكارثة محققة للعراق التي تعتمد موازنتها بشكل رئيسي على الإيرادات المحققة من صادرات النفط بنسبة 90% من إجمالي الموازنة، وبالمثل يمكن وقف إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية للعراق، والتي ساهمت في منع الاحتجاجات المزعزعة لاستقرار العراق كالتي وقعت في صيف عام 2018م، ويتعين على العراق التعامل بحياد كامل عندما يتعلق الأمر بواشنطن وطهران.
في حين قد تجبر الحكومة العراقية الولايات المتحدة على سحب قواتها من البلاد، خاصة في حال تمكنت الكتل السياسية المؤيدة لإيران في البرلمان من جمع ما يكفي من الدعم لتمرير قرار بذلك المعنى، لكن هل من الممكن أن يكون الحياد خيارا للعراق؟..
قامت الولايات المتحدة مؤخرًا بإجلاء موظفيها الدبلوماسيين غير الأساسيين من السفارة الأمريكية في بغداد، والقنصلية العامة في أربيل، وطلبت من المواطنين الأمريكيين مغادرة العراق، أو اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة أثناء وجودهم في البلاد، مشيرة إلى تهديدات غير محددة من الوكلاء الإيرانيين.
كما قامت شركة إكسون موبيل أيضًا بإجلاء مهندسيها وغيرهم من الموظفين غير العراقيين من البصرة، في ظل تهديدات إذا تفاقم الوضع الأمني، بإخلاء الشركات الكبرى الأخرى في قطاع الطاقة مواقع عملها، وسيخسر العراق الأهداف المنتظرة من الخطط الإستراتيجية لمشاريعها الكبرى في مجال الطاقة، كما يمكن للدول التي تدرب قوات الأمن العراقية حاليا أو تساعد في جهود ما بعد الصراع التقليل من وجودها في البلاد، خشية أن يصبح العراق غير آمن لموظفيها، وتتخذ الحكومة العراقية سياسة صارمة، بعدم إقامة تحالفات في المنطقة وخارجها، امتثالا للدستور العراقي والقناعة الراسخة لدى القيادة العراقية.
ولكن بالنظر إلى الضغط المحتمل للمطالب الأمريكية والإيرانية بأن يتخذ العراق موقفا في أي صراع أمريكي إيراني محتمل، سيكون من الصعب على الحكومة الاختيار بين حليفين مهمين لها، كما سيكون من الصعب بنفس القدر المخاطرة عن طريق الإصرار على الحياد الذي قد يؤدي لنتائج لا يحمد عقباها، وبدأت الولايات المتحدة بالفعل ممارسة الضغط على الحكومة العراقية لاتخاذ موقف ضد إيران، ففي 7 مايو الماضي.
ألغى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو رحلة إلى ألمانيا، وقام بزيارة سرية للعراق لتحذير الحكومة العراقية من أي هجوم على المصالح الأمريكية في البلاد، من قبل قوات الحشد الشعبي الشيعية شبه العسكرية، كما أكد بومبيو ضرورة حماية السيادة العراقية من التدخل الأجنبي والاعتماد الإستراتيجي على الدول المجاورة، وخاصة فيما يتعلق بالاعتماد على الطاقة الإيرانية، ووقع العراق مؤخرًا على خارطة طريق مع شركة "Siemens" الألمانية لتحسين إمدادات الكهرباء وتوزيعها، بينما تواصل شركة "General Electric" لعب دور مهم في قطاع الكهرباء العراقي.
وعلى الرغم من أن صفقة سيمنز تلبي مطالب الولايات المتحدة بأن يتخذ العراق خطوات نحو الاستقلال في مجال الطاقة، من أجل الاستمرار في التمتع بإعفاءات من الامتثال للعقوبات الأمريكية على إيران، إلا أن الولايات المتحدة تفضل أن تحصل الشركات الأمريكية على أكبر حصة في التعاقد، وهذا قد يحدث قريبًا حيث أعلنت وزارة النفط العراقية مؤخرًا عن خطط لتوقيع صفقة طاقة بقيمة 53 مليار دولار مع "ExxonMobil" و"PetroChina".
ومن شأن صراع بين حليفي العراق وإيران- والولايات المتحدة - أن يهز أسس التوازن السياسي في البلاد، فإذا قررت الجماعات المسلحة الموالية لإيران المشاركة في القتال، فستصبح الأراضي العراقية ساحة معركة، وسيكون على الحكومة العراقية أن تواجه خيارًا صعبًا أجلته لوقت طويل، يتمثل في مواجهة العناصر الجامحة داخل قوات الدفاع المشتركة، بما قد يعقد حسابات بغداد التي تحاول إيجاد طريقة لوضع الأسلحة تحت سيطرة الحكومة، وأرجأت حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي تنفيذ هذا القانون، لتفادي المواجهة مع قوات الحشد الشعبي خلال الحرب ضد داعش، وتم تأجيله مرة أخرى بعد هزيمة داعش لتجنب نزاع مع قوة عراقية شعبية خلال موسم الانتخابات عام 2018.
وقد حافظت حكومة رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي على نفس نهج الانتظار والترقب، وفي سياق السياسة الداخلية العراقية، لم يكن التعامل مع قضية قوات الحشد الشعبي مسألة ملحة حتى الآن، ولكن الفشل في تنفيذ القانون قد يكون باهظ التكلفة، وبغض النظر عن كيفية انتهاء التصعيد الحالي بين الولايات المتحدة وإيران، يجب على الحكومة العراقية الحفاظ على السيادة على بلادها بأكملها، والإدراك بأن وجود جماعات مسلحة غير خاضعة للحكومة سوف يبقي البلاد في وضع محفوف بالمخاطر، حيث إن أزمة مثل حرب إقليمية ستزيد من تأجيج الوضع، ولا يمكن فيها حماية المصالح القومية العراقية، وكذلك مصالح حلفاء العراق، إلا إذا كانت الحكومة العراقية تسيطر على الأوضاع الأمنية بشكل كامل وتمتد سيادة القانون لتشمل جميع جوانب الحياة السياسية.
"نقلا عن العدد الورقي..."