رئيس التحرير
عصام كامل

رمضانيات (3)


مع أيام رمضان يتردد اسم الشيخ "الشعراوي" على أكثر من قناة فضائية في آن واحد، وقد بدا صوت الشيخ –رحمه الله– ملازما لشهر القرآن الكريم، فانتظار إفطار رمضان لدى كثير من الأسر المصرية يعني قضاءه في سماع خواطر الإمام.


إن متابعة "الشعراوي" على النحو المشار إليه وتحديدا في مصر تستلزم التوقف كثيرا أمام ميراث العالم الراحل، ف"الشعراوي" لم يكن مجرد إمام أو رجل دين فقط، أمام ما يرصده التحليل والدراسة لأسلوبه وطريقته ونهجه، ليجد الإنسان نفسه أمام مفكر إنساني موسوعي الثقافة من طراز فريد، حاضر الفكر سريع البديهة يدعو إلى البناء لا الهدم، وإلى التسامح لا الكراهية..

إنها «حركة الحياة».. تلك العبارة التي تتردد بقوة على لسان الرجل في مختلف المحاضرات والدروس التي طالما ظلت نبراسا لطالبي العلم والهداية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فبإجراء ما تتعارف عليه الدراسات الإعلامية بأنه «عملية تحليل مضمون» لدروس "الشعراوي"، يظهر مكنون الفضائل العليا والسمو الروحي الذي كان يتمتع به العالم الراحل، فضلا عن مستوى الإخلاص الذي يدل عليه مستوى القبول الذي لازم دروس "الشعراوي" حتى بعد رحيله.

ليس معقولا أن نتناول «تجديد الخطاب الديني» من دون دراسة طريقة "الشعراوي" في التعامل مع قضايا العالم المعاصر من منطلق «علم الواقع»، فأي دراسة علمية تدعم فرضيتها مسبقا بعرض نتائج الدراسات السابقة، وها هي خبرات الدعوة الإسلامية الصحيحة تعرض تجربة خالدة، فهل من دراسة تستخلص العبر والفوائد من أسلوب ذلك العالم.. هل فكر أحد من المهتمين بتجديد الخطاب الديني في ذلك؟ هل فكرت مؤسسة علمية في تحليل مضمون لدروس "الشعراوي" لإفادة المنهج الوسطي المعتدل؟

رحم الله "الشعراوي" فهو القائل في أبرز نقاط ميراثه المضيئة: «إياك أن تظن أن الأمية عَيْب في رسول الله، فإنْ كانت عيبًا في غيره فهي فيه شرف؛ لأن معنى أمي يعني على فطرته كما ولدتْه أمه٬ لم يتعلم شيئًا من أحد، وكذلك رسول الله لم يتعلَّم من الخَلْق، إنما تعلم من الخالق فعلَتْ مرتبةُ علمه عن الخَلْق».

وهو القائل أيضا: «ويكفيك عِــزًّا وكرامة أنك إذا أردت مقابلة سيدك أن يكون الأمر بيدك.. فما عليك إلا أن تتوضأ وتنوي المقابلة قائلا: الله أكبر.. فتكون في معية الله عز وجل في لقاء تحدد أنت مكانه وموعده ومدته.. وتختار أنت موضوع المقابلة.. وتظل في حضرة ربك إلى أن تنهي المقابلة متى أردت.. فما بالك لو حاولت لقاء عظيم من عظماء الدنيا؟! وكم أنت ملاقٍ من المشقة والعنت؟! وكم دونه من الحُجّاب والحراس ؟! ثم بعد ذلك ليس لك أن تختار لا الزمان والمكان ولا الموضوع ولاغيره..!»..

ومن أقواله رحمه الله،: «القرآن يعطينا قيم الحياة، التي بدونها تصبح الدنيا كلها لا قيمة لها لأن الدنيا امتحان أو اختبار لحياة قادمة في الآخرة٬ فإذا لم تأخذها بمهمتها في أنها الطريق الذي يوصلك إلى الجنة، أهدرت قيمتها تمامًا ولم تعد الدنيا تعطيك شيئًا إلا العذاب في الآخرة».

وقال عليه من الله سحائب الرحمة: «الرزق هو ما ينتفع به٬ وليس هو ما تحصل عليه، فقد تربح مالًا وافرًا ولكنك لا تنفقه ولا تستفيد منه فلا يكون هذا رزقك ولكنه رزق غيرك، وأنت تظل حارسًا عليه٬ لا تنفق منه قرشًا واحدًا٬ حتى توصله إلى صاحبه٬ قال عليه الصلاة والسلام: يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت٬ ولبست فأبليت٬ أو تصدقت فأمضيت».
الجريدة الرسمية