كيف نحب مصر؟!
تبارى مقدمو البرامج التليفزيونية، وتنافس العديد من الصحفيين في الحديث عن «حب مصر»، واستعدادهم للتضحية بحياتهم من أجل أن تبقى حرة مستقلة لم يتخلف الفنانون عن المشاركة، والادعاء بأن حبهم لمصر يفوق مشاعر الآخرين، وأنهم الاقدر على توصيل الرسالة للمواطنين عبر الدراما السينمائية والتليفزيونية، والأغاني والأناشيد.
وحدث بلا حرج عن الراغبين في الترشح لعضوية مجلس النواب، الذين يزداد عشقهم لمصر كلما اقتربنا من دورة جديدة، على أمل أن يقتنع المسئولون بمواهبهم الجبارة، وبأنهم أحق من غيرهم بالحصول على «الكرسي».. خاصة لو كان عن طريق التعيين، ولا يتخلف رجال الأعمال عن الموكب، طالما الإعلان عن حبهم لمصر، لا يتجاوز التصريحات الصحفية والتليفزيونية، بعيدا عن ثرواتهم المليونية.. والملياردية.. ويعملون بالمثل القديم «عض قلبي.. ولا تعض رغيفي»..
وبالطبع هناك ملايين المصريين المخلصين الذين يحبون وطنهم دون انتظار للثمن الذي سيحصلون عليه، وحتى الذين هاجروا إلى دول أخرى، حملوا معهم مصر في قلوبهم ويعبرون عن هذا الحب في كل المناسبات الوطنية، ويبقي السؤال.. كيف نحب مصر؟
أجاب عليه منذ سنوات كاتبنا الكبير "أحمد بهاء الدين"، قال: دعونا من كل النظريات والاتهامات والشوشرة الكاذبة، دعونا من الذين يكتفون بحب مصر على أمواج الإذاعة وشاشات التليفزيون والأناشيد الغنائية، والمقالات الغرامية، إننا فقط نريد من هؤلاء أن يحبوا مصر في غير التمثيليات والخطب والمقالات والأناشيد، نريدهم أن يحبوا مصر بأن يحبوا شعبها، وهذا هو الحب الأصيل، وليس مجرد حبها «لظلها الظليل».
هذا هو الحب الحقيقي الذي عبر عنه الكاتب الكبير في كلمات قليلة -موجعة- تكشف كذب المنافقين.. والمزايدين، ويواصل "بهاء": «وأن يحبوا شعبها هو أن يكافحوا لكي يتعلم الطفل المصري أحسن، ويأكل أحسن، ويجد مرافق تجعل حياته أكثر راحة، بعد أن صارت هذه المرافق بدائية كمواسير المياه والمجاري والمواصلات العامة والشوارع المدمرة، بحيث تكون هذه المرافق في حالة أفضل»..
وأضاف "أحمد بهاء الدين": «الوطنية اليوم بالممارسة، لا بالأغاني والأناشيد والمهرجانات».. ويشرح معنى الوطنية قائلا: «لنعمل وننتج ونعرق وتشتري بعد ذلك السيارات «الكاديلاك»، فهذا وضع اقتصادي سليم، أما أن يركب الكاديلاك مائة شخص، ويركب كباري المشاة مليونا، ويجري وراء المواصلات العامة ملايين.. وتدفع هذه الملايين ثمن «الكاديلاك» فهذا بالنسبة ليس ظلما فحسب وإلا لاحتملناه.. ولكنه كارثة اقتصادية قومية».. رحم الله كاتبنا الكبير "أحمد بهاء الدين"، وكأنه يتحدث عن مصر هذه الأيام.