"الشعراوى".. و"ساديو مانى"!!
أمَّا الشيخُ "الشعراوى"، فهو –كما تقولُ العربُ- علمٌ فيه رأسه نارٌ، يعرفُ قدرَه القاصى والدانى، ولا ينكرُ فضلَه سوى جاهلٍ أو جاحدٍ، وهو أحدُ المُجددين البارزين في الإسلام، تمضى السنون ويزداد اسمُه بريقًا وخلودًا.
أمَّا "ساديو مانى"، فهو نجمُ "ليفربول"، وأبرز هدافى "الريدز"، وصاحبُ أغلى صفقة انتقال لاعب أفريقى في التاريخ حتى العام 2016، عندما انتقل إلى صفوف الفريق الإنجليزى مقابلَ 34 مليون دولار إسترلينى.
إذن.. ما وجهُ العلاقة بين عالمٍ مُسلم جليل، رحل عن دنيانا بجسده، وإنْ ظلتْ سيرتُه خالدة، وبين لاعب كرة، لا يزالُ يصولُ ويجولُ في عالم الساحرة المستديرة؟
الإجابة باختصارٍ: "كسرُ النفس مخافة الغرور وعدمُ الركون إلى الدنيا مهما حدث"!
وفى التفاصيل.. إنَّ الإمامَ "الشعراوى" عندما ذهبَ إلى الجزائر، وألقى محاضرة في أكبر مساجدها بالعاصمة، فأغلقتْ شوارعها عن آخرها، وتوقفتْ المواصلاتُ فيها تمامًا من كثرة الحضور داخلَ وخارجَ المسجد، فلمَّا علم بذلك بعد المحاضرة استأذن من مرافقيه، وكان بينَهم وزيرٌ جزائرىٌّ، ودخلَ حمَّاماتِ المسجد، وظلَّ ينظفُها، ومرافقوه يبحثون عنه في كل مكان، حتى وجدوه يمسحُ دوراتِ المياه، فلما رأى العجبَ في أعينهم قال: "أردتُ أن أؤدِّبَ نفسى حتى لا تشمخَ أو تغترَّ"..
الموقفُ ذاته.. كرَّرهُ إمامُ الدعاة إلى الله، في مصرَ، بعدما تمَّ استقباله استقبالًا حافلًا في جامعة القاهرة في السبعينيات، حيث احتشدَ آلافُ الطلاب في حضور رئيسها الدكتور "صوفى أبوطالب"، وألقى محاضرة مؤثرة حتى أحاط الطلابُ بسيارته، فخافَ على نفسه من الغرور، فذهب ليلًا إلى مسجد الحسين القريب لمنزله، ومسحَ دوراتِ المياه به، حتى يُزيلَ ما يكونُ قد أصابَ نفسَه من عُجبٍ أو غرورٍ.
أمَّا اللاعبُ المسلمُ ذو الأصول السنغالية "ساديو مانى"، والذي لم يُكملْ السابعة والعشرين عامًا بعدُ، فيبدو أنه طالعَ سيرة "الشعراوى"، حيث شوهدَ في شهر سبتمبر الماضى، وهو ينظفُ أحد حمَّامات مسجد مدينة "ليفربول"، وتداولتْ مواقع التواصل الاجتماعى "فيديو" بالواقعة التي أثارت دهشة واستغرابَ العالم، ولا تزال أصداؤه مستمرة حتى الآن.
ويبدو أنَّ اللاعبَ صاحبَ الشهرة العالمية، والثروة الهائلة التي تتراكمُ يومًا وراء يوم، أراد أنْ يكسرَ في نفسه غرورًا أو تعاليًا، تسرب إليها في لحظةٍ من اللحظات، لا سيَّما أن النفسَ البشرية أمَّارة بالسوء إلا من رحِمَ ربى.
ما فعله "الشعراوى" في حمَّامات الجزائر ومسجد الحسين، وما فعله "ساديو مانى" في دورات المياه بمسجد "ليفربول"، دروسٌ عملية لذوات النفوس المُتورمة التي يقطنها الغرور، وهو سلوكٌ شيطانىٌّ بامتياز، ويهجرُها التواضعُ، وهو سلوكٌ نبيلٌ بامتياز، رغم أنهم لم يجاروا "الشعراوى" في علمه وقربه من الله وشهرته التي طبَّقتْ الآفاقَ، ولم يواكبوا "ساديو مانى" في نجوميته وثروته.. فيا أيُّها الصغارُ.. تواضعوا يرحمْكم اللهُ..