رئيس التحرير
عصام كامل

العلاقات الألمانية الإيرانية.. تاريخ من التعاطف رغم الصعوبات


في الوقت الذي تتبادل فيه الولايات المتحدة وإيران وصف "الشيطان الكبير" أو "الدولة المارقة"، جمعت بين ألمانيا وإيران علاقات ودية جيدة تميزت بالنشاط والحيوية والتعاطف بينهما، رغم صعوبة بعض الأوقات من تاريخ علاقات عريقة.

"تقليدية ومتعددة الجوانب ومثقلة"، بهذه المفاهيم الثلاثة يصف خبير الشئون الإيرانية، طبطبائي العلاقات الألمانية الإيرانية. تقليدية لأنه منذ زمن الشاعرين جوته وحافظ قبل 200 عام توجد علاقات بين مفكرين وتجار ألمان وإيرانيين. ومتعددة الجوانب لأن العلاقات تنبني على مستوى ثقافي وسياسي واجتماعي واقتصادي. ومثقلة لأنه يوجد خلافات على المستويين الداخلي والخارجي مع إيران التي لها علاقة أيضا مع موقف إيران من إسرائيل.

حليف مرحب به
خلال الحرب العالمية الأولى عندما احتلت بريطانيا وروسيا إيران كانت ألمانيا بالنسبة إلى إيران القوة المضادة المرحب بها. فالألمان لم يكونوا قوة استعمارية ولا معتدين وكانوا محبوبين في البلاد. وخلال الحرب العالمية الثانية كان يشعر شاه إيران رضا بهلوي بنوع من الإعجاب تجاه أدولف هتلر.

وفي عام 1952 أقامت ألمانيا علاقات دبلوماسية مع إيران ولعبت في السنوات والعقود اللاحقة دورا هاما في التحول الصناعي للبلاد. فالآلات من "صنع ألمانيا" كانت تتمتع بسمعة عالية في إيران ( إلى يومنا هذا ).

وتطورت ألمانيا إلى أهم شريك اقتصادي مع إيران. فالعلاقات لم تكن سابقا مثقلة سياسيا، كما يقول خبير الشئون السياسية الألماني الإيراني على فتح الله نجاد. "لم توجد هناك مشكلة المواجهة السياسية علما أن إيران كانت الحليف الرئيسي حينها للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج"، كما يشرح خبير شئون إيران من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية.

توترات بعد الثورة
الثورة الإسلامية في 1979 غيرت هيكل السلطة جذريا في إيران. فقد أطيح بالشاه رضا بهلوي ومن الملكية الدستورية السابقة شكل آية الله خميني "جمهورية إسلامية". وكانت الثورة تحمل بوضوح سمات معادية للغرب وخضعت العلاقات الألمانية الإيرانية جزئيا لتوترات قوية. لكن التواصل لم ينقطع. كلا الطرفين كان يبذل الجهد للحفاظ على القنوات الدبلوماسية وأخرى مفتوحة، يقول فتح الله نجاد. وأضاف:" الأمريكيون فضلوا دوما أسلوبا قاسيا في الوقت الذي شدد فيه الأوروبيون والألمان على الحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة".

وحصلت انشقاقات كبيرة في العلاقات الألمانية الإيرانية في مطلع التسعينات: في ذلك الوقت تمت تصفية سياسيين أكراد إيرانيين بتفويض من المخابرات الإيرانية داخل مطعم يوناني في برلين. "وحينها تم اعتماد الحوار الانتقادي"، كما يقول فتح الله نجاد.

علاقات في الحضيض
وفي مطلع عام 2000 عُلم أن إيران تدير برنامجا نوويا متقدما. ومارس المجتمع الدولي الضغط على إيران. وفرض مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي عقوبات تطورت ببطء إلى شبكة مكثفة من الإجراءات العقابية. فإذا كانت ألمانيا قد صدرت في منتصف 2000 بضاعة بقيمة نحو خمسة مليارات يورو إلى إيران، فإن الصادرات الألمانية تقلصت في 2013 إلى نحو 1.8 مليار يورو.

التحول من خلال التقارب
في 2015 تم اعتماد الاتفاقية النووية الدولية مع إيران. وعلى إثرها تم إلغاء الجزء الأكبر من العقوبات في 2016. ورأت ألمانيا أن هناك فرصة لإحياء العلاقات المتدهورة. فتحت شعار "التحول من خلال التقارب والتجارة" سافر وزير الاقتصاد السابق زيجمار جابرييل كأول سياسي غربي إلى إيران برفقة وفد اقتصادي رفيع. وبعد سنوات العقوبات كانت الآمال كبيرة على كلا الجانبين لربط علاقات اقتصادية وثيقة. وحساب الألمان: من خلال التجارة والتطور الاقتصادي أراد الألمان التأثير على الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد التي كان يُنظر إليها بانتقاد.

وهذه الإستراتيجية، حسب وجهة نظر فتح الله نجاد لم تنجح. فعوض فرض تأثيرها الاقتصادي والسياسي على النخب الإيرانية لانتزاع تعديلات في مسار طهران، ركزت ألمانيا كثيرا على مصالحها الاقتصادية. لكن عدنان طبطبائي يعترف بأن الفترة الزمنية لممارسة التأثير كانت قصيرة، والتحول السياسي والاجتماعي يحتاج إلى سنوات، بل ربما عقودا.

ضغط أمريكي على الشركات الألمانية
وظلت العلاقات الاقتصادية الألمانية الإيرانية مثقلة بسبب عقوبات الولايات المتحدة المتبقية. ففي 2018 انسحبت واشنطن كليا من الاتفاقية النووية وفرضت ـ في مخالفة للقانون ـ من جانب واحد عقوبات قاسية ضد إيران. والكثير من الشركات الألمانية انسحبت خوفا من عقوبات أمريكية مؤلمة من السوق الإيرانية، في الوقت الذي دعا فيه الساسة في برلين إلى إنقاذ الصفقة النووية.

وبسبب هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية في قطاع المال والبنوك الدولي لم يتمكن عدد كبير من الشركات الألمانية من الالتزام داخل إيران، كما يلاحظ فتح الله نجاد. فإيران لم تستفد اقتصاديا من التزامها بالاتفاقية. ورغم الموقف السياسي الداعم للاتفاقية النووية مع إيران والسعي لتنفيذ بنوده، شهد التبادل التجاري بين ألمانيا وإيران مطلع العام 2019 تراجعا حادا غير مسبوق.

وتقلصت الصادرات الألمانية لإيران بنحو 52.6% لتصل إلى أدنى مستوى لها عند 233 مليون يورو خلال شهري يناير وفبراير الماضيين. أما صادرات إيران إلى ألمانيا فتراجعت هي الأخرى بنسبة 42.2% خلال نفس الفترة لتصل إلى فقط 41 مليون يورو، حسب بيانات غرفة التجارة والصناعة الألمانية.

مستقبل مجهول
مستقبل العلاقات الألمانية الإيرانية رهين إذن بالتطور الحاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والتطورات في البلدان المجاورة لإيران وعلاقاتها مع إسرائيل. وفي حال حصول مواجهة بين إيران وإسرائيل، فإن هذا سيثقل كثيرا العلاقات الألمانية الإيرانية. "هنا لن تواصل أوروبا دعمها الدبلوماسي والسياسي الذي برهنت عليه إلى حد الآن تجاه طهران"، يقول فتح الله نجاد. ويعتبر هذا الأخير أن الانسحاب الجزئي لإيران من الاتفاقية النووية خطير، لأن إيران يجب أن " تنتبه على أن لا تخسر هذا الدعم الهام من جانب أوروبا".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية