رئيس التحرير
عصام كامل

حرق جثت مسلمين في ألمانيا يُضاعف من حُرقة الفراق


يُقال إن حُرقة الفراق تنطفئ نوعًا ما بعد دفن الميت. لكن هناك من تزيد حُرقتهم على فقيدهم، بعد اكتشاف حرق جثته. هذا الأمر تحول إلى إشكالية باتت تؤرق المهاجرين المسلمين في ألمانيا. وتطرح تساؤلات عديدة. فأين يكمن الخلل؟ أثارت قصة المواطن التونسي الألماني (ف. ر) الذي توفي في مدينة فرانكفورت منذ أسابيع قليلة، العديد من ردود الفعل الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي. سبب موجة الغضب هذه يعود إلى "حرق" جثة هذا المواطن من قبل السلطات الألمانية. هذه القصة تضمنت أحداثًا متشابكة وكشفت عن إشكالية باتت تؤرق المهاجرين المسلمين في ألمانيا بشكل متزايد.

على حساب أحد رواد موقع فيس بوك، الذين تفاعلوا مع القصة بشكل كبير، ظهرت سيدة ألمانية تدعى (أ.) من خلال بث مباشر يوم 6 مايو 2019، عرفت نفسها على أنها طليقة المواطن التونسي المتوفى وتحدثت عن حالة طليقها الصحية قبل وفاته بأيام قليلة، وكيف علمت بعد ذلك من السلطات الألمانية المعنية عن وفاته وأنه تم "حرق جثته"، بحسب ما هو معمول به في مثل هذه الحالات، حين لا تستطيع السلطات التوصل إلى عائلة المعني بالأمر.

وأشارت (أ.) إلى أنها حاولت التواصل مع القنصلية التونسية في مدينة بون، لكنها لم تستطع الحصول على معلومات بسبب "عامل اللغة"، على حد تعبيرها.

تكرار الحالات المشابهة
ظهرت (أ.) في مقطع الفيديو متأثرة بما حدث وقالت وهي تبكي "إنها لم تتمكن من منع ذلك في الوقت المناسب في إشارة إلى حرق "الجثة" بالرغم من محاولاتها وأشارت إلى أنها لو كانت تملك المال الكافي، لما حدث ما حدث، لأن رغبة طليقها كانت أن يتم دفنه في بلده". وأضافت ( أ.) أنها تمكنت من الحصول على المعلومات حول طلقيها السابق، لأنها لاتزال تحمل اسمه، لكنها لم تعد من أقاربه.

من جهتها نفت القنصلية التونسية في مدينة بون في تصريح لـDW عربية تواصل أحد أفراد أسرة المواطن التونسي الألماني ( ف. ر) أو السلطات الألمانية معها، وقالت بما “أن المتوفي لم يكن يملك الجواز التونسي، بل جوازًا ألمانيًا وبالتالي تم التعامل مع إجراءات دفنه على هذا الأساس“.

وأشارت القنصلية إلى أن مشكلة عدم تبليغ القنصلية عن الوفاة في الوقت المناسب، تترتب عنها فيما بعد مثل هذه الحالات، لأن الدولة تأخذ بالأساس على عاتقها التكفل بنقل جثامين مواطنيها، الذين يقضون نحبهم خارج أرض الوطن.

هذه القصة فتحت النقاش مجددًا حول إشكالية حرق الجثث في ألمانيا خاصة وأنه سبق وأن وقعت حالات مشابهة في صفوف مهاجرين ولاجئين. ومن بين الحالات، التي أحدثت ضجة واسعة أيضًا، حالة وفاة وإحراق جثة المهاجر المغربي في ألمانيا و(ت.ع) منذ عامين تقريبًا.

وبحسب معطيات تحقيق صحفي سابق حول ملابسات هذه الحالة، وما نشرته الجريدة الإلكترونية المغربية "كواليس اليوم" بتاريخ 3 فبراير 2018 كشفت عن تداخل عدة عوامل أدت إلى إحراق الجثة، منها غياب تدخل العائلة أو أي جهة والتعامل مع الجثة وفق قانون الدفن الألماني المعمول به في مثل هذه الحالات.

الكلمة الأخيرة للقانون
تعامل السلطات الألمانية مع جثة المواطن التونسي الألماني ( ف. ر) أثار الاستياء بين المسلمين في ألمانيا. وفي رد على استفسار لـDW عربية حول تفاصيل حالة ( ف. ر)، قالت دائرة الحفاظ على النظام العام في مدينة فرانكفورت، التي خول لها التعامل مع الحالة بأنه "في الحالة المذكورة، تم طلب بيانات المتوفي من مكتب السجل المدني بعد التبليغ عن الوفاة.

ووفقًا لذلك، كان ( ف. ر) مواطنًا ألمانيًا (لم يكن بحوزته سوى جواز سفر ألماني)، كما أنه كان مسجلًا هناك بكُنية أخرى تحمل نفس حرف اسمه ف. ولم تُقدم أي معلومات حول انتمائه الديني. وفي هذه الحالة تم الأخذ بهذه المعطيات واتخذت دائرة الحفاظ على النظام العام القرار حول طريقة الدفن طبق المادة رقم 14 من قانون الدفن الألماني".

وفقًا للمادة 16 من قانون المقابر والدفن، يجب دفن جثة الميت خلال مدة زمنية تترواح بين 48 ساعة و96 ساعة كأطول مدة بعد الوفاة أو حرقها إذا لزم الأمر. وتقوم دائرة الحفاظ على النظام العام في فرانكفورت بالأمر بإحراق الجثة في العديد من الحالات. وبعد حرق الجثث ووضع الرماد داخل وعاء خاص، يتم تمديد التحقيق لأطول مدة والتواصل مع الأقارب.

في حالة الأشخاص، الذين ليس لديهم أقارب وتوفوا داخل منازلهم أو في الأماكن العامة (على سبيل المثال الحديقة، الشارع، إلخ)، تقوم الشرطة أو خدمات التمريض بإبلاغ دائرة الحفاظ على النظام العام. وهنا تبدأ عملية التحقق والبحث عن هوية الميت. وفي حالة لم يتم التوصل إلى أقاربه، تدخل إجراءات الدفن بشكل بيروقراطي حيز التنفيذ. وفي حالة المواطنين غير الألمان، يتم إبلاغ القنصلية المعنية من قبل مكتب السجل المدني، الذي يقوم بدوره بإجراء تحقيق في وطن المتوفى ثم يبلغنا بالنتيجة، بحسب دائرة الحفاظ على النظام العام.

إشكالية توثيق الديانة
عدم الالتفات إلى ديانة المتوفي قبل إحراق جثته في بعض الحالات، هو أكثر ما يثير الاستياء داخل أوساط الجاليات المسلمة في ألمانيا، لكن الإشكالية تكمن في عدم توثيق بعض المهاجرين لديانتهم في الوثائق الرسمية. وبحسب ما جاء في تصريح دائرة الحفاظ على النظام العام في مدينة فرانكفورت لا يتم اللجوء إلى طريقة الحرق بالنسبة للمسلمين، ومعتنقي بعض المعتقدات الكاثوليكية والرضع والأطفال الصغار والأشخاص مجهولي الهوية أو بناءأً على رغبة الميت في حالة إن كان قد ترك وصية بذلك:" بطبيعة الحال نأخذ في عين الاعتبار خصوصية الميت، طالما نتعرف عليها في الوقت المناسب".

من جهته أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، عبد الصمد اليزيدي في حواره مع DW عربية ضرورة أخذ الهوية الدينية للمتوفي بعين الاعتبار. كما يرى أن "مثل هذه الأخطاء تقع عندما تكون الهوية الدينية للمتوفي غير واضحة أو غير موثقة في سجلات مكتب الحالة المدني الألماني".

بالإضافة إلى وظيفتها الدينية تقوم المساجد في ألمانيا أيضًا بوظائف اجتماعية، منها جمع التبرعات والتعاون من أجل دفن المواطنين المسلمين بحسب قواعد الدين الإسلامي بالإضافة إلى المرافقة الاجتماعية، التي تقدمها للمواطنين خلال حالات المرض أو الموت أو ما إلى ذلك، حسب اليزيدي.

نقص الوعي وسط بعض المهاجرين المسلمين، يقف وراء تكرار مثل هذه الحالات، حسب رأي الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا. وعن الحلول والبدائل المطروحة لتفادي تكرار سوء التفاهم والاستياء الذي يحدث في أوساط المسلمين في مثل هذه الحالات قال اليزيدي: "المجلس الأعلى للمسلمين يقوم بالتوعية لصالح العاملين لدى المؤسسات والبلديات والمراكز الألمانية من أجل الإلمام بالخصوصية الثقافية والدينية المختلفة للمواطنين في ألمانيا".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية