رئيس التحرير
عصام كامل

خبير: الديمقراطية في تركيا تترقب صيفا ساخنا جدا


ستعاد الانتخابات البلدية في إسطنبول لا محال، ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للديمقراطية في بلد يحكمه أردوغان؟ الصحافي جان دوندار المقيم في منافه الألماني ينطلق في تحليل حصري من أن قطار الديمقراطية في تركيا لا يمكن يتوقف.منذ انتخاب رجب طيب أردوغان في 1994 رئيسا لبلدية إسطنبول أتابع خطواته.

وفي بداية مشواره السياسي قال حرفيا:" الديمقراطية ليست بالنسبة إلينا هدفا نهائيا، بل وسيلة لبلوغ الهدف. وسنسافر بقطار الديمقراطية كلما تمكنا من ذلك وسنغادر القطار في إحدى اللحظات". أعتقد أن هذه هي الملاحظة الصريحة التي سبق وأفصح عنها.

وفي النهاية قرر مغادرة قطار الديمقراطية في محطة "الإسلام السياسي". وفي السنوات الـ 25 الماضية استغل جميع أوجه الديمقراطية. وبعدها دمر جميع أوجه الديمقراطية: التشريعية والتنفيذية والتعليم والإعلام والمعاهد العليا والمجتمع المدني وفي الأخير الانتخابات الحرة.

"كل شيء في ملكيتي"، قال مرة وتحول إلى حاكم مستبد. وبالرغم من ذلك فإن فصل الديمقراطية لم ينته بعد. ورغم أن أردوغان نزل من القطار، فإن قطار الديمقراطية يستمر في السير. أحيانا يتوقف وأحيانا يسير وأحيانا توجد عقبات في طريقه، لكن بأي حال من الأحوال يواصل السير. ولا يجب أن ننسى: فعلى الأقل نصف المجتمع يقف وراء تركيا ديمقراطية وحرة وعلمانية.

المعارضة أقوى من ذي قبل
وأن يتمكن أردوغان الآن بمساعدة قضاة خانعين من إلغاء انتخابات رؤساء البلديات، فإن هذا أدى إلى نتيجة غير منتظرة: فأحزاب المعارضة تركت لأول مرة خلافاتها السياسية جنبا وشكلت وحدة. وفي هذا التحالف الكبير يجتمع الاشتراكيون الديمقراطيون والاشتراكيون والقوميون وكذلك المجموعات الدينية المحافظة. وهذا التحالف يحترم ويدعم إرادة الناخبين في صناديق الاقتراع. وليس هناك هدفا آخر يجمع بينها سوى الخصم المشترك أردوغان. فالاستقطاب المفروض من جانبه يعيد الضربة ضده.

وبدأ مستثمرون وفنانون وقانونيون ولاسيما معارضون داخل حزب العدالة والتنمية الذين صمتوا إلى حد الآن يتكلمون الآن. والناس الذين لزموا سابقا الصمت ينزلون الآن إلى الشوارع. والذين برمجوا لعطلتهم ألغوا رحلاتهم الجوية للتمكن من المشاركة في الانتخابات الجديدة المقبلة في يونيو. فالـ 23 يونيو يوم الانتخابات البلدية في إسطنبول يشبه المحطة الأخيرة قبل انهيار الديمقراطية التركية.

ماذا سيحصل بعدها؟
هل بإمكان المعارضة التي فازت بالانتخابات البلدية في إسطنبول، لكن خسرتها بسبب سلطات العدل تحت هذه الظروف إعادة انتصارها؟ فالوقت مبكر للتفاؤل. أمامنا لا تزال سبعة أسابيع. وأردوغان الذي أعرفه جيدا سيستغل كل إمكانية لكي لا يخسر مرة أخرى الانتخابات. وهناك مثال من الماضي يجعل التشاؤم ينتابني: عندما تكبد أردوغان في 2015 في الانتخابات البرلمانية لأول مرة خسارة كبيرة في الأصوات، تخلى عن مفاوضات السلام مع الأكراد ـ والبلاد انزلقت في فوضى. وفي هذا الصيف توفي أكثر من 600 شخص بسبب اعتداءات إرهابية. وعرض على السكان مخرجا من الفوضى. "امنحوني 400 مقعد في البرلمان (الغالبية الساحقة) لكي يتم حل المشكلة في هدوء". وفي الانتخابات الجديدة اللاحقة حصل على خمسة ملايين من الأصوات الإضافية والفوضى انتهت.

وهذه الأصوات تعطي إشارة عما يمكن أن يحصل في تركيا في الأسابيع السبعة المقبلة. سيستفز كي تصل مجددا توابيت. توابيت بها جنود فقدوا حياتهم في القتال ضد الميليشيات الكردية.

إسطنبول درج للنجاح
ومرشحا حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية متساويان تقريبا في السباق الانتخابي. لكن مرشح حزب العدالة والتنمية بن على يلدريم الذي يقف في الحقيقة من أجل السلطة يبدو متعبا عن آخره. ومرشح المعارضة أكرم أمام أوغلو يتجرد من معطفه ويشمر عن ساعديه. الرجل الذي يريد انتزاع إسطنبول من يد أردوغان كان لامعا خلال الانتخابات البلدية وبعدها. وبفضل مثوله والتزامه تحول إلى نجم سياسي.

وبحزم لطيف يعترض طريق أردوغان الغاضب. والكثير من كتاب العمود العلمانيون يرون في أمام أوغلو الرئيس المقبل لتركيا. فإسطنبول هي مثل سلّم النجاح السياسي. فمشوار أردوغان بدأ على هذا السلّم الذي وصل إلى أعلاه ونزل منه مجددا. وامام أوغلو يوجد في بداياته، ويتحرك باستمرار إلى الأعلى. وكلا الرجلين يلتقيان على نفس الارتفاع من السلّم. فهما يلتقيان هناك في أسخن صيف في تركيا التي هي صندوق عجائب: التشاؤم والأمل يلتقيان في الغالب هناك في لعبة تبادل الأدوار. وما الذي يغلب، فهذا لا يعرفه أحد بدقة. وقطار الديمقراطية يتحرك على كل حال الآن بشكل أسرع ـ بعدما نزل أردوغان.

جان دوندار، رئيس تحرير سابق لصحيفة جمهورية يعيش في المنفى في ألمانيا.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية