إلغاء زيارة بومبيو لبرلين.. اختبار لمتانة العلاقات الألمانية الأمريكية
أثار خبر إلغاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لبرلين في حينه موجة من التساؤلات في برلين خصوصا وسط توتر العلاقة بين الحليفين التقليديين منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه. فما حال العلاقات بين البلدين اليوم؟ ترك المستشارة تنتظر بلا جدوى، في رسالة بدت واضحة حين تم إلغاء الموعد في ديوان المستشارية قبل قليل من الوقت المحدد. هذا بالضبط هو ما فعله وزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، وهو ما أعطى زخما للشكاوى من تردي العلاقة الألمانية الأمريكية.
يتولى بومبيو منذ نحو عام منصب كبير الدبلوماسيين الأمريكيين. تنقل بين دول العالم كثيرا في هذه الفترة، حيث قطع أكثر من 420 ألف كيلومتر جوا، وزار قرابة 40 دولة، لم تكن منها حتى الآن ألمانيا، أقوى دولة في أوروبا وأكثرها سكانا. كان من المقرر أن يزور بومبيو ألمانيا أمس الثلاثاء، كجزء من جولته الأوروبية التي تستغرق عدة أيام.
اختفاء مفاجئ
كان من المخطط له أن يلتقي وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، وأن يجري أيضا لقاء مع المستشارة أنغيلا ميركل، والتي بالمناسبة تتولى منصبا يفوق منصب بومبيو بكثير من ناحية البروتوكول. ولكن الوزير الأمريكي ألغى زيارته قبل موعدها ببضعة ساعات فقط. كان المبرر الأمريكي في البداية: "شئون ملحة". وبدلا من ذلك ركب بومبيو طائرته في أول محطة له في رحلته الأوروبية، فنلندا، واختفى.
ظل وزير الخارجية الأمريكي مختفيا على مدى ساعات. وظلت نشرات أخبار القنوات الإخبارية الأمريكية على مدى نصف يوم تردد سؤال: "أين مايك بومبيو؟". أصرت وزارته على الصمت، وسادت الإشاعات بشأن وجهة بومبيو. وكعادته في مثل هذه الحالات المتكررة من الصمت على مدى ساعات، عاود بومبيو الظهور في إحدى مناطق الأزمات، في العراق. يتم التكتم بشدة، ولأسباب أمنية، على مثل هذه الرحلات حتى النهاية.
السبب في رحلة بومبيو المتعجلة للعراق هي التوترات المتزايدة مع الجارة إيران. أعلنت الحكومة الأمريكية مطلع الأسبوع الجاري، أنها ستنقل حاملة طائرات وأحد أسراب القاذفات باتجاه إيران، وذلك كتحذير عسكري لإيران. وبررت الولايات المتحدة هذه الخطوة بـ "تصاعد دلائل وإشارات تحذيرية مقلقة".
ولم تفصح أمريكا حتى الآن عما تعنيه بهذه التهديدات. واكتفت وزارة الدفاع الأمريكية بالقول بشكل مقتضب إنه كانت هناك دلائل واضحة على أن إيران اتخذت استعدادات من أجل شن هجمات محتملة على قوى أمريكية في المنطقة.
كما تجنب بومبيو هو الآخر الإجابة على أسئلة بهذا الشأن أمس الثلاثاء. قال بومبيو للصحفيين الذين رافقوه في رحلته إلى بغداد، إنه كان يريد التحدث مع الحكومة العراقية مباشرة بشأن تهديدات مصدرها إيران، وكذلك بشأن استقلال العراق فيما يتعلق بقضايا الطاقة. قال بومبيو إنه تحدث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الأول الإثنين بشأن رحلة مزمعة للعراق.
استمرار التوتر مع برلين
لم يتصل بومبيو بنظيره الألماني إلا يوم الثلاثاء لإعلان إلغاء زيارته، ولإبداء أسفه بهذا الشأن. قال بومبيو إن ماس "تفهم تماما"، وأضاف بومبيو: "وعدته بأن نعوض ذلك".
ولكن إلى أي مدى كانت الزيارة إذا كانت الـ "تهديدات" بواسطة إيران، معروفة للأمريكيين منذ مطلع الأسبوع بالفعل، وأدت لخطوات عسكرية؟ وهل كان يوم زيارة برلين هو الخيار الوحيد في رحلة بومبيو التي استمرت عدة أيام لأوروبا، ليقوم فيه بزيارة مفاجئة للعراق؟ لا يريد الأمريكيون بأي حال من الأحوال اعتبار إلغاء بومبيو زيارته برلين علامة على الاستهانة بالعلاقة الألمانية الأمريكية. وبالعكس، فإن ما قام به بومبيو يتناسب بشكل ما مع الصورة الحالية: فالعلاقة بين ألمانيا وأمريكا متوترة منذ تولي ترامب منصبه عام 2017، حيث دأب ترامب على اتهام ألمانيا، شريكة أمريكا في حلف شمال الأطلسي، الناتو، بأن إنفاقها العسكري قليل جدا.
كما تنتقد الولايات المتحدة بشدة مشروع خط أنابيب الغاز، نورد ستريم 2، الذي تنفذه ألمانيا بالتعاون مع روسيا، وتهدد ألمانيا بفرض عقوبات جمركية بسبب الفائض في ميزانها التجاري. كما أن العلاقة بين ترامب وميركل تعتبر فاترة على المستوى الشخصي، حيث لا يسود التقارب بينهما، سواء من ناحية طبيعتهما الشخصية أو من ناحية فكرهما السياسي.
لم يزر ترامب ألمانيا، زيارة ثنائية، خلال فترة ولايته التي استمرت أكثر من عامين حتى الآن. شارك ترامب في قمة مجموعة دول العشرين في هامبورج في يوليو 2017، وتوقف في قاعدة رامشتاين العسكرية في ألمانيا، أثناء عودته من العراق. ولكنه لم يأت لألمانيا خصيصا لإجراء محادثات سياسية مع الحكومة الألمانية، لم يأت مرة واحدة لهذا الغرض خلال فترته كرئيس على مدى أكثر من 27 شهرا.
أما ميركل فقد زارت واشنطن أكثر من مرة في نفس المدة. ولكنها ستتجنب العاصمة الأمريكية خلال زيارتها المقبلة لأمريكا. ستلقي المستشارة الألمانية خطابا خلال الاحتفالات الختامية لجامعة هارفارد، ولكنها لا تعتزم القيام برحلة لترامب الذي يقيم في البيت الأبيض على بعد نحو 700 كيلومتر من الجامعة. لدى بومبيو هو الآخر مواعيد أخرى. لذلك لا يعرف متى سيعوض زيارته لألمانيا.
سافر بوبميو من العراق إلى لندن. ومن المقرر أن يعقب ذلك زيارة لجرينلاند، أي أنه تمسك ببقية محطات جولته الأوروبية، وسيكون في الأيام المقبلة غير بعيد كثيرا من ألمانيا. ولا يتضمن برنامجه مبدئيا وقتا لتلبية موعد بديل في برلين. تجول بومبيو بالفعل في فبراير الماضي على مدى أيام في أوروبا، زار بولندا وسلوفاكيا والمجر وبلجيكا وأيسلندا، ولم يشارك في مؤتمر ميونخ الأمني الذي عقد في نفس الوقت. إنه التزامن في المواعيد، حسب وجهة نظر بومبيو.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل