ومازال بمصر أطباء شرفاء!
استغرق الجراح الشهير وقتا طويلا في قراءة التقارير التي تشخص حالة المريضة، بينما يحاول الزوج أن يقرأ على ملامح وجهه إشارات تطمئنه.. بعد أن كاد اليأس يستبد بالأسرة. اطلع الطبيب على كل التقارير وقال: الحال لا يطمئن. أضاف: أنا من مدرسة مصارحة المريض وأهله بحقيقة مرضه.. حتى لو كانت الحقائق تؤلمه.. إلا أنها أفضل من أن أبيع لهم الأوهام.
- وما العمل يا دكتور؟
- من ناحيتي سأبذل كل جهدي.. والباقي على الله.
لن يدرك قسوة كلمات الطبيب على الزوج.. إلا من يعرف حقيقة علاقته بزوجته التي امتدت إلى نصف قرن من العطاء دون انتظار كلمة شكر. يُفصل من عمله سنوات.. تتولى مسئولية الإنفاق دون أن تشعره لحظة واحدة بما يمس كرامته.. يحلم بأن يكون له مسكن في محافظته.. تبيع ما تملك وترفض أن يكون المنزل باسمها.
وعندما أصيب بالمرض الخطير كانت لا تفكر إلا في أن يجتاز الأزمة حتى لو ضحت بحياتها من أجله.. وهي الآن بين يدي الله.. وعليه أن يرد لها بعض الجميل.
فكر في أن يعالجها في الخارج.. ربما يكون العلاج أفضل وعندما استعاد تجربة حماه المرضية تراجع.. سافر الرجل إلى لندن للعلاج من المرض الخبيث.. وتولى طبيب مصري بارع علاجه.. حتى وصل إلى محطة اليأس، وعندما سئل عن العلاج بالخارج رفض بشدة.. ولكن الأسرة أصرت على منحه فرصة أخيرة.
ودخل أكبر المستشفيات البريطانية الشهيرة.. وعلم أن طبيبا مصريا متميزا سيتولى علاجه، فوجئ بطبيبه الخاص الذي كان يعالجه في القاهرة، وتعاقد مع المستشفى لإجراء عدد من الجراحات الخطيرة.
وبقدر ما كانت مفاجأة المريض كانت صدمة الطبيب الذي طلب عودته إلى مصر على الفور.. عاد ليدخل في غيبوبة بعد أيام معدودة.. وليرحل عن عالمنا.
ولجأ الزوج إلى أطباء آخرين.. أقل شهرة وأغزر علما.. واختلفوا في التشخيص مع الجراح الأشهر.. وقرروا إجراء الجراحة فورا.. وأن إمكانية النجاح كبيرة.
أولهما الجراح النابغ الدكتور حسام الفل.. الذي بذل مع فريق عمله بمستشفى السلام الدولي جهودا جبارة لإنقاذ حياة المريضة.
وأكمل العلاج الدكتور حسن متولي أستاذ علاج الأورام وفريقه الطبي بمستشفى دار الفؤاد وكلاهما يشرف بلدنا بعلمهما الغزير.. ويراعي ضميره في التعامل مع المريض.. وكأنه ليس لديه مرضى آخرون.
ما زال الطب في مصر بخير.. وهناك من يعلن عن قبول علاج المرضى الفقراء بالمجان بمستشفاه كما يفعل الدكتور محمد كمال أستاذ المسالك البولية بجامعة الفيوم.. نماذج مشرفة تكشف أطباء «البيزنس».
مر عام على تلك التجربة القاسية.. والحمد لله المريضة بخير.