رئيس التحرير
عصام كامل

أضواء خافتة وصلاة قصيرة.. كيف قضى أهالي غزة ليلة رمضان تحت القصف


الساعة كانت تشير إلى العاشرة والنصف من مساء أمس، "سعيد خطيب" ابن منطقة رفح بقطاع غزة المحاصر، عائدا من عمله بعد أن أنهى تغطيته الصحفية لانهيار أحد المباني السكنية في المنطقة المجاورة له، الطائرات تحلق فوقه، والظلام يمتد وتتسع دائرته بينما يقبض هو على الكاميرا، رائحة الخوف تشل الرأس فيكاد يقلع عن التفكير، أربعة أبناء وأمهم في المنزل، في انتظار عودة الأب، يفكر هو كيف سيبقى وإياهم في مأمن عن نيران القصف المتواصل والذي لا ينقطع منذ ثلاثة أيام، "الخوف بكل مكان بالشارع وبالقطاع كله، ما في مذاق لرمضان وبهجته، ما عم بنفكر إلا في كيفية مواجهة هذا الخوف".



أكثر من 300 قصف جوي تعرض له القطاع المحاصر منذ فجر الجمعة الماضية، خلف وراءه أكثر من 25 شهيدا وعشرات المصابين، مبان دُمرت بالكامل، وبيوت تداعت ذكرياتها وأخفاها رماد الحرب التي أعلنها صريحة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بعد أن أصدر أمره بمواصلة قصف مناطق يدعي أنها تؤول لحركة الجهاد الإسلامي، في حين تطال القذائف محال وعمارات سكنية، حالت بين أصحابها وبين استقبال رمضان بما يليق به، "كل عام كنا بنصلي القيام في المسجد دون خوف، الصلاة كانت تستمر لأكثر من ساعة، اليوم الصلاة ما كملت ربع ساعة وأغلقوا المساجد وأخلوها خوفا من تعرض أحدهم للقصف، ما في أجواء رمضانية، ما وجدنا بالشارع الفرحة التي اعتدناها كل سنة، حتى طفل بالشارع معه فانوس عم بيلعب مع أصحابه به ما لقينا"، سعيد اعتاد أن يجمع كافة أفراد العائلة ويجتمعون في منزله منذ انتهاء صلاة القيام وحتى تحل الساعة الواحدة صباحا، تعد الزوجات الحلوى منذ بداية اليوم، يتأهب أبناء العمومة لتجهيز الفوانيس والتأكد من أنها تعمل بكفاءة كما كان الحال في العام الماضي، ثم يجلسون أمام المنزل أو فوق سطحه، عشرات بل مئات الحكايا تُنسج خيوطها في هذه الجلسات.


في ليلة رمضان من هذا العام، لم يستطع سعيد إحضار أبناء العائلة، لم يتمكن من جمع شملهم حتى لا تسقط قذيفة على البيت فتصيب كافة أبناء العائلة بالضرر، كل عاد إلى بيته، كأنه بذلك سيكون المُصاب أخف وطأة إذا وقع، منع أبناءه من الجلوس أمام المنزل بالفوانيس، لم يعلقوا زينة رمضان هذا العام، "أنا جمعتهم كلهم في حجرة واحدة ليناموا بها، حتى إن وقع القصف نكون في مأمن بعض الشيء، يتلاشى الخوف في وجودهم معا بمكان واحد! الشوارع فاضية وخالية من الفرح، ولا كأنه رمضان ما لحقت اشتري أغراض المنزل للشهر الفضيل لأنه التصعيد بدأ قبل رمضان بثلاثة أيام، أنا صحفي بطلع من بيتي للعمل بيكون كل تفكيري منصب على اللي في المنزل وكيف اطمن عليهم، أيضا هم بيكونوا محتاجين يطمئنوا على، ما كان فينا راس نفكر إيش بدنا أغراض لرمضان".


مشهد ومضات القذائف وهو يضيئ سماء غزة المظلمة، عاد بمحمد منصور ابن مدينة خان يونس شرق القطاع، إلى فجر الثامن من يوليو عام 2014، حينما استمرت الحرب على القطاع مدة 52 يوما متواصلين، خلفت وراءها نحو 1750 شهيدا وجرح نحو 8000 شخصا، "رمضان جاء وانقضى وإحنا بالحرب، حاسس كأننا عايشين هذه اللحظة مرة ثانية بكافة تفاصيلها، ما في إحساس برمضان ما خرجت أولادنا للعب ولا قدرنا بالخوف نستقبل الشهر الكريم، يعني أنا اشتريت أغراض المنزل قبل التصعيد، فيه كتير حولنا ما قدروا وهلأ معظم المحال إما دُمرت أو أغلقها أصحابها خوفا من استهدافها، حتى الناس ما بتعرف كيف ستفطر وقت يأذن أذان المغرب"، كان محمد يتحدث عبر خدمة مكالمة "ماسنجر" بينما تصدر أصوات القذائف تشكل مقطعا مرعبا يدوي دون انقطاع، في حين تُغلق النوافذ بإحكام وتنصب الدعوات بأن تضل القذيفة طريقها فلا تصيب المنزل ولا المنازل المحيطة!


الأربعيني جمال الدُرة سقط من أبناء منطقته "البريج" أربعة شهداء صباح أمس، اتشحت البلدة بالسواد، وامتزجت رائحتي الموت والخوف في تلك البقعة الصغيرة، إلا أن ذلك لم يمنع جمال وأبناءه من الذهاب إلى أقرب مسجد وأداء صلاة القيام، ثم التجمع على سطح المنزل ومراقبة الطائرات، وتحديد أين ستسقط القذيفة في المرة القادمة، "نحنا بالأسطح والصهاينة بالملاجئ، من بعد حرب 2014 برمضان، بات معظمنا يعتاد الأمر بعض الشيء، إلا أن صوت القصف الذي لا ينقطع جعل الأطفال يبقون في البيوت، لا يطوفون بها حول المنازل كما اعتادوا كل عام.


الجريدة الرسمية