الحق في الصحة
المجلس القومي لحقوق الإنسان نظم مؤتمره الأول عن "الحق في الصحة"، يوم الخميس الماضي وافتتحه الوزير "محمد فايق" رئيس المجلس والوزير "محمد معيط" وزير المالية، ود "محمد العماري" رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، ود "أحمد السبكي" ممثلا لوزيرة الصحة، ود "صلاح سلام" عضو مجلس حقوق الإنسان ومقرر المؤتمر.
ناقش المؤتمر في ثلاث جلسات موضوعات غاية في الأهمية، وحضره وزراء وخبراء ومختصون في مجال الصحة والتعليم الطبي وحقوق الإنسان. في الجلسة الافتتاحية تحدث الوزير "محمد فايق" عن أن الحصول على الخدمات الصحية عالية الجودة هو حق من حقوق الإنسان والذي كفله الدستور المصري، حيث نص على التزام الدولة بتخصيص ٣٪ (على الأقل) من الدخل القومي للصحة وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وتحدث الدكتور "محمد معيط" بطلاقة واستفاضة عن التزام الدولة بتنمية مرفق الخدمات الصحية، وأعجبني جدا إلمامه التام بمشروع التأمين الصحي الشامل والذي يبدأ في مدينة بورسعيد شهر يوليو القادم، وعن استعداد الدولة ووزارة الصحة لإنجاح هذا المشروع الضخم والذي ينتظره المصريون.
الوزير "معيط" سبق له العمل في وزارة الصحة المصرية، ويعرف عنها تفاصيل كثيرة، وأيضا عاش في إنجلترا أثناء فترة دراسته للدكتوراه في جامعة سيتي في لندن، ويعرف قيمة التأمين الصحي في المملكة المتحدة كأحد أحسن نماذج التأمين الصحي في العالم، وأعجبني المثل الذي أعطاه عن زميل له كان مبعوثا في أمريكا وتعرض لمرض دخل بسببه إلى المستشفى، الذي طالبه بمبلغ صخم لا يقدر عليه، مما اضطره إلى تغيير جهة البعثة من أمريكا إلى إنجلترا. وأشار وزير المالية أيضا إلى أن مشروع الرئيس الأمريكي السابق أوباما للتأمين الصحي (Obama care) لم ير النور لتكلفته الباهظة على الدولة.
وفي نفس الوقت بدا "معيط" واثقا في إمكانيات وزارة المالية المصرية وفي إمكانية إدارة وإنجاح مشروع التأمين الصحي الشامل، رغم الأعباء المالية الثقيلة التي سوف يتطلبها المشروع.
وتحدث الدكتور "محمد العماري" رئيس لجنة الصحة في البرلمان عن دور مجلس النواب ولجنة الصحة في سن القوانين التي تخدم قطاع الصحة، وكان من أهمها صدور قانون التأمين الصحي الشامل.
وتحدث الدكتور "صلاح سلام" عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ونقيب أطباء شمال سيناء عن حقوق الأطباء أنفسهم، وباقي الأطقم الصحية من صيادلة وأطباء أسنان وهيئات تمريض وإداريين وفنيين وخلافه، وهم مقدمو الخدمة الصحية في تأمين صحي شامل، وبدل عدوى مجز، ومرتبات معقولة، وتحسين بيئة العمل للطبيب المصري لكي تساعد على تشجيع الأطباء من الاستمرار في العمل في وزارة الصحة المصرية وعدم السفر إلى الخارج.
أما الموضوع الأهم في الجلسة الأولى فكان عن الخطة التنفيذية لتطبيق قانون التأمين الصحي الشامل والذي يبدأ خلال شهرين في مدينة بورسعيد، وتحدث د "أحمد السبكي" مساعد وزير الصحة، وهو شاب واعد وعلى دراية جيدة بمشروع التأمين الصحي، عن الخطوات التي اتخذتها الوزارة لبدء المشروع، وكان مقنعا في عرضه، إلا أن النقاش الذي تلى المحاضرة كشف الكثير من التخوف عند عدد غير قليل من الحضور عن إمكانية إنجاح هذا المشروع الضخم بالإمكانيات المحدودة التي عرضها.
والواقع أن هناك مشكلات كثيرة سوف تقابل المشروع ولن تتضح إلا بعد البداية في شهر يوليو القادم، وأن علينا أن نتحلي بالصبر وأن نتكاتف جميعا لإنجاح هذا المشروع القومي الهام. وكان واضحا من التعليقات أنه ما زال هناك تخوفات كثيرة حول العديد من الموضوعات أهمها، إعداد الأطباء المشاركين في المشروع خاصة من أطباء الأسرة المؤهلين، والذين سافروا جميعا إلى البلدان المحيطة، وعن جدوى سفر عدد محدود من الأطباء لمدة أسبوع واحد إلى إنجلترا للتدريب، وعن إعداد الجهاز الإداري والبنية التحتية وشبكات التواصل الإلكترونية، وطرق تحويل المرضي، والاستدامة المالية، وغيرها من الأسئلة التي ما زالت تبحث عن إجابات.
في الجلسة الثانية، تحدث الدكتور "أحمد راشد" أحد شيوخ أساتذة النساء والتوليد بطب عين شمس عن تحديات المرحلة الانتقالية لتطبيق قانون التأمين الصحي وبرامج الحماية الاجتماعية، وعن مدى توافر بروتوكولات العلاج في النظام الجديد، وعن تدريب الأطباء، وتوعية المواطنين والمرضى، وحماية الأطباء، وإعداد دلائل إرشادات للأطباء والمرضى، وعن توفر الأدوية وضوابط تحويل المرضى وجاهزية الوحدات والمستشفيات للتعامل مع نظام جديد يعتمد على التكامل والتناغم وهو ما لم يعتد عليه النظام الصحي المصري..
أسئلة عديدة وتخوفات مشروعة واستفسارات تبحث عن إجابات، ومطالبة صريحة بالاستعانة بالخبرات المصرية في كل بلدان العالم التي تتبع نظام التأمين الصحي الشامل.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة وكانت مخصصة للتعليم الطبي والموارد البشرية، والتي تحدثت فيها د "ثناء راضي" أمين عام اللجنة العليا للتخصصات الطببة ود "رامي البير" نائب مدير المعهد القومي للتدريب، فكانت أشد سخونة عن الجلستين السابقتين، حيث إن موضوع تعليم وإعداد وتدريب الأطباء وتوفر الأخصائيين منهم بأعداد كافية وخاصة في وزارة الصحة المصرية، هو موضوع الساعة وهو الموضوع الذي يجب أن توليه الدولة كل الاهتمام، وأن تتخذ الإجراءات الضرورية لتدريب عدد كاف من الأطباء لخدمة المائة مليون مصري.
والتخوف الشديد من العجز المتزايد في أعداد الأطباء وفي تخصصات معينة مثل التخدير وجراحة العظام وجراحة الأورام والعناية المركزة وجراحة المخ والأعصاب وجراحة الأوعية الدموية وغيرها من التخصصات الدقيقة.
وكان هناك إجماع من المشاركين في هذه الجلسة والحضور على ضرورة اعتماد برنامج تدريب للأطباء بعد التخرج من كليات الطب، يبدأ من سنة الامتياز وينتهي بتخريج أخصائي أنهى برنامجا تدريبيا شاملا لمدة خمس سنوات على الأقل، واجتياز امتحان موحد تشرف عليه جهة واحدة متخصصة ومستقلة عن وزارة الصحة والجامعات.
والأهم هو إنشاء المجلس الأعلى للصحة تحت رئاسة السيد رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، وإنشاء المجلس الطبي المصري على غرار المجلس الطبي البريطاني والمجلس العام للتخصصات الطبية السعودي.
المؤتمر الأول للمجلس القومي لحقوق الإنسان عن حق المواطن المصري في خدمات صحية محترمة، والذي ناقش موضوعات هامة بصراحة وشجاعة ورغبة حقيقية في التغيير، أصدر توصيات هامة تطالب الحكومة بإنشاء المجلس الأعلى للصحة، والمجلس المصري للتخصصات الطبية، والتزام الدولة بزيادة الإنفاق على الصحة، وزيادة الدخل وتحسين بيئة العمل والتدريب للأطباء.
المؤتمر شكل لجنة عليا لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات، وانتهي المؤتمر وبقيت الآمال العريضة والتخوفات المشروعة من مرور الوقت دون تنفيذ وعد السيد الرئيس بالنهوض بهذا القطاع الأهم في حياة المصريبن.