غاز المتوسط.. تركيا تدق طبول الحرب لسرقة كنوز البحر (تقرير)
أكدت الخارجية المصرية في بيان رسمي، يوم السبت، أن القاهرة تتابع باهتمام وقلق التطورات الجارية بشأن ما أُعلن عن نوايا أنقرة البدء في أنشطة حفر في منطقة بحرية تقع غرب جمهورية قبرص.
وحذر بيان الخارجية المصرية، من انعكاس أية إجراءات أحادية على الأمن والاستقرار في منطقة شرق المتوسط، مؤكدا على ضرورة التزام أي تصرفات لدول المنطقة بقواعد القانون الدولي وأحكامه.
ملكية الموارد
وقد تثير الخطوة التركية التوترات مع جارتيها قبرص واليونان بخصوص ملكية الموارد الطبيعية.
وكان قد قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في يناير الماضي، إن بلاده ستبدأ في التنقيب عن الموارد حول قبرص.
وأقدمت مصر على خطوة هامة في نفس الشهر تزامنا مع التحرك التركي، اجتمعت بمقتضاها دول بشرق المتوسط، واتفقت على إنشاء ”منتدى غاز شرق المتوسط“، على أن يكون مقره القاهرة، ويضم المنتدى مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية.
وسبق أن أدت محاولات استغلال النفط والغاز في شرق المتوسط إلى توترات بين أثينا وأنقرة.
مكامن بحرية
وتتنازع تركيا وحكومة القبارصة اليونانيين المعترف بها دوليا في قبرص حقوق التنقيب عن النفط والغاز بمكامن بحرية في شرق المتوسط من المعتقد غناها بالغاز الطبيعي.
وكانت تركيا دشنت سفينة الحفر الأولى لها تسمى "فاتح" في أكتوبر 2018، للتنقيب قبالة ساحل محافظة أنطاليا بجنوب البلاد، وقالت إن سفينة ثانية اشترتها ستعمل في البحر الأسود.
الشريك المخالف
بينما يقول شمال قبرص الانفصالي، المدعوم من تركيا، إن له حقوقا أيضا في أي ثروة بحرية باعتباره شريكا في تأسيس جمهورية قبرص في 1960.
فيما يقول القبارصة اليونانيون، الذين يديرون حكومة الجزيرة المعترف بها دوليا، إن أي فوائد تجنى من اكتشافات الغاز في المستقبل سيتقاسمها جميع القبارصة في نهاية المطاف.
وجزيرة قبرص مقسمة منذ 1974 إثر غزو تركي أشعل شرارته جنرالات الانقلاب عسكري وتم إجازته بإيعاز من اليونان.
وسبق أن أخفقت مساع عديدة لإحلال السلام بينما أدت الثروة البحرية إلى تعقيد مفاوضات السلام حتى مع قول القبارصة اليونانيين إن ذلك الأمر ليس مطروحا للنقاش.
مسار جديد للصراع
خلقت حقول الغاز والنفط المكتشفة في شرقي البحر المتوسط مسارًا جديدًا للصراع بين دول بالمنطقة تعيش منذ سنوات تجاذبات سياسية كبيرة، ما يهدد باتخاذ النزاع أبعادًا أكثر خطورة في المستقبل القريب.
ويري خبراء أنه من غير المستبعد/أن يتطور الصراع متعدد الأطراف إلى حرب إقليمية؛ فمنطقة شرقي المتوسط تضم احتياطات إستراتيجية ضخمة وصلت، وفقًا لتقديرات المسوح الجيولوجية الأمريكية، إلى ما يقارب 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز، هدية من السماء لشعوب الأرض.
نيران الأزمة
وتؤجج عمليات ونوايا التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط التي أعلن عنها، مؤخرًا، نيران الأزمة الإقليمية المحتدمة التي يشترك فيها كل من إسرائيل ولبنان وتركيا وقبرص واليونان ومصر وحتى روسيا.
وتتلخص أركان الأزمة في نزاع بين إسرائيل ولبنان على جزء من حقل غاز يقع على حدود البلدين، ورفْض تركيا اتفاقية ترسيم الحدود الموقَّعة عام 2010 بين قبرص وإسرائيل، على اعتبار أن الجزيرة لا يحق لها البدء في أية عمليات تنقيب طالما ظلت أزمة انقسامها قائمة؛ إذ تنقسم الجزيرة لجزء تركي وآخر يوناني.
لبنان بالمعادلة
لبنان أيضًا أبدى رفضه الاتفاقية الإسرائيلية-القبرصية، وقال إن الاتفاقية تعدَّت على ما يقارب 850 كم من المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها.
وتتفرع هذه الأزمة في جانب آخر بين مصر وتركيا، فالأخيرة أعلنت، العام الماضي، اعتزامها بدء التنقيب عن النفط والغاز شرقي البحر المتوسط في المستقبل القريب، ورفضها اتفاقية ترسيم خط الحدود البحرية بين القاهرة وقبرص الموقعة عام 2013، باعتبار أنها تمس بحقوقها الاقتصادية بمنطقة شرقي المتوسط.
أمريكا تهدد
وخلال منتصف أبريل الماضى، نقلت صحيفة "قبرص ميل" عن السيناتور الأمريكي روبرت مينينديز، قوله: إن الولايات المتحدة لن تتسامح مع انتهاكات تركيا في شرق المتوسط، في إشارة إلى محاولات الرئيس رجب طيب أردوغان التنقيب عن البترول والغاز في هذه المنطقة.
وأكد مينينديز: "لن نقبل مجددا أي اعتداء تركي في منطقة شرق المتوسط".
وأضاف أنه يجب أن تزيد الولايات المتحدة من الدعم الذي سيضمن لليونان الوفاء بالتزاماتها في إطار حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، وأن ترفع حظر الأسلحة المفروض ضد قبرص منذ عام 1987.
أسس قانونية
ظلت مسألة استغلال الموارد الطبيعية، خاصة المواد الهيدروكربونية، تشكّل مسارا للخلاف الدائم والمستمر في التفاعلات الدولية، لا سيما في منطقة حوض شرق البحر المتوسط؛ حيث تتعدد الأطر القانونية الحاكمة لتلك التفاعلات، والتي يُمكن حصرها في ما يلي:
أولا: اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تم توقيعها في 10 ديسمبر 1982، ودخلت حيز النفاذ في 16 نوفمبر 1994 بعد أن صادقت عليها 60 دولة -رفضت تركيا التوقيع عليها-.
وتضمنت الاتفاقية تقسيم البحار إلى أربع مناطق رئيسية، وهي البحر الإقليمي ويُحدد بحد أقصى 12 ميلا بحريّا من خط الأساس، وللدولة سيادة كاملة عليه، ثم المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها بمئتي ميل بحري تقاس أيضا من خط الأساس، ثم منطقة الجرف القاري، وأخيرا أعالي البحار.
وقد نصت الاتفاقية بشكل واضح على المبادئ العامة لاستغلال الموارد الطبيعية، سواء الحية أو غير الحية الموجودة في المياه أو في القاع بما في ذلك من موارد هيدروكربونية ونفطية. لكن تظل هذه الاتفاقية إطارية عامة، ولا تُلزم الدول إلا بالاتفاق على الالتزام بها.
ثانيا: اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية القبرصية، ودخلت حيز النفاذ في عام 2004، حيث عيّنت المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بالدولتين وفقا لقاعدة خط المنتصف، والذي حددته الاتفاقية في البند الثاني من المادة في ثماني نقاط إحداثية جغرافية، غير أن الاتفاقية قد ألزمت في المادة الثالثة الطرفين عند الدخول في أيّ مشاورات مع طرف ثالث لتعيين الحدود البحرية، إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه، وهو ما لم تلتزم به قبرص في اتفاقيتها لتعيين الحدود البحرية مع إسرائيل.
ثالثا، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية القبرصية، حيث وقعت الحكومة اللبنانية والقبرصية في عام 2007 اتفاقا لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وتم الترسيم وفقا لنقطتين مؤقتتين هما 1 جنوبا، والنقطة 6 شمالا، حيث ألزمت الاتفاقية في مادتها الثالثة أي طرف يدخل في تفاوض مع طرف آخر لترسيم الحدود البحرية في إحداثيات أي نقطة من 1 أو 6، الرجوع إلى الطرف الآخر.
رابعا، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية القبرصية الإسرائيلية، حيث قامت الحكومتان الإسرائيلية والقبرصية في 17 أكتوبر 2010 بالتوقيع على اتفاقية تحديد الحدود البحرية بينهما، لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بكل منهما، والتي تم تحديدها أيضا وفقا لقاعدة خط المنتصف، والذي يقع على مسافة 150 كم شمال غرب حيفا، والذي تمّ تحديده في البند الثاني من المادة الأولى في اثنتي عشرة نقطة إحداثية جغرافية.
ويرى خبراء عسكريون أن خطة تحديث الأسطول المصري، تصب في هذا الاتجاه لحماية حقوق شعبها التاريخية المدفونة تحت مياه البحر من أي تهديدات قائمة أو قادمة.