بعد تفحم بضاعة العيد.. تجار الموسكي: «هنسدد الديون ولا هنتسجن» (صور)
يبدو أنهم على موعد من تكرار هذه "الكارثة" كل عام.. فلا تكاد المنطقة المكتظة بالمارة والباعة تنتهي من حريق إلا وتصحو على حريق جديد، لعنة الحرائق ترفض أن تفارق هذا الحي منذ الأزل.. وعلى كل حال تلتهم النيران بضائع تقدر بالملايين خاطفة معها قلوب أصحابها، لكنها لم تستطع التهام الحياة.. بيوت وبضائع احترقت عن بَكرة أبيها، ورجال الإطفاء والحماية المدينة يمارسون عملهم في صمت، وسط هدوء يعم أرجاء المكان لا يكسره سوى دندنة صوت مفجوع يردد «بيوتنا اتخربت، والبضاعة اتحرقت».
زحام وفوضى في كل اتجاه.. دخان يتكاثف ويغطى أنحاء المنطقة، فكلما اقتربت من منطقة حارة اليهود لن تستطيع أن تلتقط أنفاسك، ألسنة اللهب طالت عنان السماء التي لبدتها غيوم في يوم أسود على باعة وسكان المنطقة.
بقايا متناثرة تحت الرماد هي كل ما تبقى من بضاعة تُقدر بملايين الجنيهات في المحال المحترقة بالحارة، ولم يعد أمام أصحابها خيار سوى التنقيب عنها بين التراب علها تنفعهم في مصابهم الأكبر.
بين أزقة العتبة ونواصيها يفترش محمود مساعد؛ قدرًا من الأرض الغير ملوثة بمياه الحريق؛ واضعًا رأسه بين يديه في محاولة للسيطرة على رباطة جأشه، يجلس متربعًا مهمومًا، حزنًا على ما آل إليه حالهم بعدما فقدوا مصدر رزقهم الوحيد.
فلم يكن يعلم الرجل، أن تجهيز محله وملئه ببضائع جديدة استعدادا لموسم العيد، سيضيع هباءًا منثورًا وسيكلفه خسائر لا تقل عن نصف مليون جنيه، بعدما تراصت بضاعته على أرفف المحال، مبادرًا بشراء ملابس العيد خوفا من ارتفاعات متوقعة في سعر الدولار.
بنبرة تشي بالحسرة بدأ "مساعد" يسرد تفاصيل وقوع الحادث؛ «كنت مخلص ورديتى في المحل وقفلنا الساعة 3 بالليل، وروحنا بيوتنا؛ الساعة 2 ونص بعد صلاة الضهر، لقيت تليفونى بيرن وابنى بيكلمنى "المحل ولع المحل ولع"»، دقائق معدودة وصل الرجل لمصدر رزقه الذي يندثر أمام عينيه، واقفا وسط المشاهدين للحريق في حاله صمت وذهول لما يحدث.
خسائر محله تعدت النصف مليون جنيه – حسب قوله، أما خسائر المبني بالكامل لا تقل عن 20 مليون جنيه، خاصة مع اقتراب الموسم وامتلاء المحال بالبضائع؛ بين ملابس وأحذية وأجهزة كهربائية؛ فبالرغم من أن الحريق وقتها بدأ صغيرًا بالنسبة للأهالي الذين كانوا يتعاونون سويًا مع وجود رجال الإطفاء الذين لم تُمكنهم الأدوات من السيطرة على الأمر إلا أنه استمر لقرابة ثمان ساعات متواصلة: «المبنى بقى كوم تراب.. وبضايعنا راحت وبيوتنا اتخربت.. مش عارفين حالنا دلوقتي هنسدد ديون إزاى ولا هنشحت ونتسجن».
فيما اكتست واجهة العقار باللون الأسود، كان الكردون الأمني يغلق كوبري المشاة الكائن أمام المبنى.. يمر المواطنون على المكان يقف بعضهم ناظرًا بأسى، يحوقل أحدهم بعناية ثم يُكمل طريقه مرددًا: «هيا الناس واقفة تبص على خراب البيوت ليه ربنا يعوضهم»، فيما تتوارد أصوات ارتطام رماد البضائع بالأرض؛ يلقيها أصحاب المحال محاولين إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، بين الحين والآخر يخرج من بالداخل لاستنشاق الهواء، ويدخل من بالخارج لاستكمال إخراج ركام الحريق.
بينما انطفأ الحريق الذي ظل مُشتعلًا لأكثر من 8 ساعات، لفح لهيبه تجارة عشرات من البائعين والتجار، وسط ثبات من الجميع على راوية أن الحريق نشب بسبب حدوث ماس كهربائي، يقول على فتحي، صاحب محل لملابس أطفال، كان رأس ماله بالكامل، كل ما يملك من بضائع احترقت في مخزن صغير يقدر بنحو "مليون ونص جنيه"، ليجد أن النار قد أتت على مصدر دخله، «حاولنا نطلع أي حاجه في عز ما الحريق شغال؛ لكن كل اللى طلع ده ميكملش 70 - 80 ألف جنيه من البضاعة اللى راحت في داهية دي كلها».
قرب حلول شهر رمضان من كل عام تتجهز هذه المحال بالملابس والعباءات وكافة مستلزمات الموسم لسد حاجة الزبائن؛ حيث اضطر صاحب المحل إلى التعاقد على بضاعة وصلت لنحو 800 ألف جنيه، قام بدفع جزء منها على أن يتولى السداد على دفعات شهرية، واحترقت ولم يمر على شرائها أسبوع فقط.
أنات الألم والحسرة تخيم على أطلال المبنى المنكوب؛ التي كبدت أصحابها خسائر بالملايين بما فيهم صغار التجار الذين ليس لهم مصدر دخل يعولون به أسرهم البسيطة، سوي هذه المشروعات الصغيرة؛ والتي باتت سرابًا في حلم تحول إلى كابوس بعد ساعات مشتعلة.