عاشوا في مصر (2)
مصر.. كنانة الله في أرضه.. منذ ما قبل التاريخ اتسع صدرها لمن ضاقت عنه كل دول العالم، واحتوت كل الطوائف، وشهدت أرضها نزول الديانات السماوية، وزارها غالب أنبياء الله.. تاريخها سبق تاريخ كل الأمم.. إنها "أم الدنيا"، و"المحروسة".. من بين من عاشوا بها، رموز غيرت وجه التاريخ، نروي هنا بعضًا من تفاصيل حياتهم، ونستعرض شيئًا من جوانب عظمتهم.
بطل الصعيد الأول
كان أحد فراعين مصر القديمة العظام، ومؤسس الأسرة الثامنة عشرة، وكان عضوًا في العائلة المالكة لطيبة، ابن الفرعون "سقنن رع"، وشقيق الفرعون الأخير من الأسرة السابعة عشرة، الملك "كامس".. يعد "أحمس" مؤسس الدولة المصرية الحديثة.
في عهد والده، أو جده، ثارت طيبة ضد الهكسوس، الذين احتلوا مصر السفلى. وعندما كان في السابعة من عمره لقي والده مصرعه، وفي نحو العاشرة توفي شقيقه لأسباب مجهولة، ولم يكد يحكم سوى ثلاث سنوات فقط.
تولى بطلنا، "أحمس الأول"، العرش بعد وفاة أخيه، وبعد توليه أصبح يعرف باسم نب – بتي - رع (أي "سيد القوة رع"). وفي فترة وجيزة، نجح في القضاء على احتلال الهكسوس وطردهم من منطقة الدلتا، واستعادت طيبة سيادتها على جميع أنحاء مصر وأراضيها التي كانت خاضعة لها من قبل، من النوبة وحتى كنعان.
وأعاد تنظيم إدارة البلاد، وفتح المحاجر والمناجم وطرق جديدة للتجارة، وبدأت مشاريع البناء الضخمة من النوع الذي لم يحدث منذ عصر الدولة الوسطى. ووضع أحمس الأسس لعصر الدولة الحديثة، والتي بموجبها وصلت الدولة المصرية إلى الذروة في التقدم.
تزوج أحمس من "نفرتاري"، التي أصبحت أول زوجة للإله آمون، وأنجبت له ثلاثة أبناء؛ أحدهم هو خليفته "أمنحتب" الأول، وتوفى الأول والثاني في سن صغيرة، وأربع بنات هن: "مريت آمون" و"سات آمون" و"إياح حتب" و"ست كامس".
كان "سقنن رع" أول من بدأ بمهاجمة الهكسوس لإخراجهم من مصر، وقتل في إحدى معاركه، ثم استكمل ولده "كامس" الحرب حتى طهر الصعيد من الهكسوس، ثم تمكن "أحمس" من طرد الهكسوس نهائيًّا خارج البلاد. قاد "أحمس" جيش مصر ولم يكن عمره قد تجاوز 19 سنة، واستخدم بعض الأسلحة الحديثة، مثل العجلات الحربية.
واقتحم "أواريس" (صان الحجر حاليا)، عاصمة الهكسوس، ثم لاحقهم إلى فلسطين، وحاصرهم في حصن "شاروهين"، وشتت شملهم حتى استسلموا تمامًا، وقضى عليهم، فلم يظهر لهم وجود بعدها في التاريخ، وكانت هذه المعركة نحو عام 1580 ق. م.
قام "أحمس" بتطوير الجيش المصري، فكان أول من أدخل عليه "العجلات الحربية"، والتي كان يستخدمها الهكسوس، وهي سبب تغلبهم على المصريين، وكانت تجرها الخيول، وطور كذلك من الأسلحة الحربية باستخدام النبال المزودة بقطعة حديد على الأسهم، ثم بدأ بمحاربة الهكسوس، بدءا من صعيد مصر، والتف حوله الشعب فقام بتدريبهم بكفاءة حتى أصبحوا محاربين أقوياء ومهرة، وظل يحارب الهكسوس من الصعيد حتى وصل إلى عاصمة مصر، آنذاك، التي أقامها الهكسوس بجوار مدينة الزقازيق الحالية، وظل يحاربهم حتى فروا إلى شمال الدلتا، وهو خلفهم، فسيناء، ثم إلى فلسطين، ولم يعد إلا أن اطمأن على حدود مصر الشرقية.
وصل "أحمس" بجيشه إلى بلاد فينيقيا، كما هاجم بلاد النوبة لاستردادها مرة أخرى، وقد وصلت حدودها جنوبا إلى الشلال الثاني.
وبعد انتهائه من حروبه لطرد الأعداء وتأمينه لحدود مصر وجه اهتمامه إلى الشئون الداخلية التي كانت متدهورة خلال فترة احتلال الهكسوس، فأصلح نظام الضرائب وأعاد فتح الطرق التجارية وأصلح القنوات المائية ونظام الري.
كما قام بإعادة بناء المعابد التي تحطمت واتخذ من طيبة عاصمة له، وكان آمون هو المعبود الرسمى في عصره. واستمر حكم "أحمس" ربع قرن وتوفى وعمره نحو 35 عامًا.