رئيس التحرير
عصام كامل

"لزوم ما يلزم" إغراءات ثلاثيّة "أوباما"


من أين أتى أوباما، وهو الأكاديمى الهارفاردى، بهذا الكوكتيل من روائع الخيال العلمى والحكمة والشطحات الثقافية والتخطيط السياسى؟.. باقة أدمغة فى دماغ.. بعد مذبحة العشرين طفلاً، طفق يخصف على الجريمة من ورق التفلسف، ووعد بثورة إصلاحيّة ثقافيّة أخلاقيّة سياسيّة.


أحبّ الألغاز، أمّا التلغيز والترميز فى هذا المستوى؛ فلم أر له مثيلاً.. فبكلّ تجرّد وتواضع.. لا أعرف ما هو الدور الذى لعبته الولايات المتحدة على صعيد الثقافة العالميّة، حتى أدرك كيف ستكون الإصلاحات الثقافية التى يعد بها الرئيس الأمريكى.. لا شك فى أن ذلك الشعب، الذى قال عنه الجنرال ديغول: “لا أعرف أى أمريكى هو أمريكى بحق"، قد عكف طويلاً منذ مطلع القرن العشرين، على ما يسمّيه خبراؤه "الثقافة الاستراتيجية".. وخلاصتها: كيف تسيطر على الغير وتدمّره من دون تقديم ضحايا فى صفوف قواتك.. وهذه أمور لا علاقة لها بالثقافة فى مفهوم الإنسانيّة الساذجة.. هذه النظرة لها جذور بعيدة مستمدّة من كتاب “فن الحرب” لدى الصينى “صن تزو”.. دعنا من أن واشنطن اليوم وغداً فى مواجهة مباشرة مع التنين.. قل إن شئت: “ولولا دفع الله”.

اللغز: هل سيتوصّل فخامة أوباما فى أربع سنوات إلى تغيير المسار الثقافى الاستراتيجى، وإذ بالولايات المتحدة تتخلى عن عادتها القديمة، فتخصّص آلاف مليارات الدولارات لإعادة إعمار ما أفسده الدهر الأمريكى؟ "حدّث العاقل بما لا يليق".

المحطة التالية: إصلاحات أخلاقيّة.. هذه أخطر من الثقافية.. فى مستوى الثقافية؛ شهد العالم "ثورات المشروبات الغازية والكاتشب والهمبرغر والجينز، الجاز تسويق.. وإلا فهو إفريقى ارتجالى قائم على المقام الخماسى.. لا نحرمهم بعض الفضل فى الأدب والفلسفة وسطوة الإعلام.. وتبقى المنّة الكبرى على العالم: شبكة العنكبوت، التى أطلقتُ عليها اسم "شيوعية المعلومات والمعرفة" منذ انطلاقتها عند انتشار الحاسوب الشخصى.

الحديث عن إصلاحات أخلاقية يبدو شطحات صوفية غريبة.. هل سيعترف البيت الأبيض بكل الكوارث فى العالم التى كانت واشنطن سبباً فيها، قبل الحرب الثانية وبعد العراق؟، هذا لغز آخر.. وعلى ذوى الحماقة التى أعيت من يداويها أن يصدّقوا.. هذه أمور مؤجلة إلى يوم القيامة، يوم الحساب.

ما معنى الإصلاح السياسى إذاً؟، قيل: سرق أحدهم ديكاً، وأخفاه تحت جلبابه، وظل يُقسم أمام القاضى بأنه لم يسرق، وكان ذيل الديك بادياً.. قال القاضى: أصدّق أيمانك أم ذيل الديك؟!.

لزوم ما يلزم: كان على أحد الحكماء أن يقول: كلما سمعت حديثاً عن الإصلاح، رأيت اللصّ لاح.
نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية