عبد الرحمن تاج يكتب: الصوم وقاية من المعاصي
في مجلة "الأزهر" عام 1376 هــ، كتب الشيخ عبد الرحمن تاج، شيخ الأزهر، مقالا بمناسبة قدوم شهر رمضان، قال فيه:
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)".. سورة البقرة.
وأخرج البخاري ومسلم، عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما يحكيه عن الله، عز وجل: "كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".. وهذا واضح في أن جزاء الصوم لا يقف عند حد، وثوابه يتجاوز معايير الحساب والتقدير.
إنه من أعظم دلائل الإخلاص، وأقوى مظاهر الجلد والصبر، فقال تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ".
وأخرج الشيخان، أيضًا، عن أبي هريرة، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك".
وخلوف فم الصائم هو ما يكون من تغيُّر رائحة الفم من أثر الصوم، وهذا من أقوى الشواهد على فضل الصوم، وما له من الآثار الطيبة وحميد العاقبة.
وروى البخاري عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "الصوم جُنَّة، فإذا كان أحدُكم صائمًا، فلا يرفث ولا يجهل"، أي لا يتكلم بما فيه فحش وقبح، ومعنى أنَّ الصومَ جُنَّة أنه وقاية، وحماية من المعاصي، ومن العذاب.. وقوله: "وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائمٌ، إني صائمٌ".
والصوم شريعة من أهمِّ الشرائعِ التي جاءَ بها الإسلامُ، وقد بيَّنَ الرسولُ أنه أحدُ الأركانِ الخمسةِ التي قام عليها هذا الدينُ الحنيفُ، فقالَ عليه الصَّلاةُ والسلامُ: "بُني الإسلامُ على خمسٍ؛ شهادةُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وإقامُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاة، وصومُ رمضان، وحجُّ البيت من استطاعَ إليه سبيلًا".
الصومُ تهذيبٌ للنفوسِ، وسموٌ بالأرواحِ، يعلمُ الناسَ كيف يترفعون عن المظاهر الحيوانيةِ التي كلُّ همِّها الأكل والشرب وإشباع البطن، يعلمهم كيف يسمون بأنفسهم إلى مستوى الملائكة الذين غذاء أرواحهم مراقبة الله وعبادته وتقواه ويربي فيهم ملكة الصبر، ويعودهم على احتمال الشدائد والصبر على مكاره الحياة.
والصوم ينمي في النفوس فضيلة الأمانة والإخلاص في العمل، وهو تصفية للنفوس منْ علائق الدنيا وشهواتها، وحتى لا تطغى المادية، ويشتدُّ سلطانُها على سلوكِ الناسِ في هذه الحياةِ، حتى تسود الفضائل الطيبة.
وقد فُرِضَ صَوْمُ رمضان في السنة الثانية للهجرة، وقد أخذَ في التدرُّج بالموعظة، وقد بينت الآيات منزلة هذا الشهر، وجلال مكانته بين شهور السنة.
كذلك فإن الصيام وحكمته يبعث على الإحساس والرحمة والصدق والإخلاص ومراقبة الله، ويمرِّن النفسَ على الصبر، فصومُ رمضان هو إحياء سنوي مجيد لذكرى نزول القرآن الكريم، وهو أعظم آيات الشكر على امتنانه بهذه النعمةِ الجليلةِ؛ ولذا كان رسولُ اللهِ، صلى اللهُ عليه وسلم، يعنى بتعظيم هذا الشهرِ، والاحتفالِ به بكثرةِ العبادة، وبذلِ الجهدِ في شكرِ الله على نعمه.