في اختلافنا رحمة!
تخيل لو أن الله جل وعلا قد خلق جميع الناس في كونه البديع متماثلين في الشكل والإمكانيات والقدرات والسمات الشخصية واللغة وأسلوب وطريقة التفكير!
بالتأكيد كان الكون حينئذ سيكون شيئًا مملًا ورتيبًا، ولا مجال فيه لأى تقدم أو تطور، وفى هذا يحدثنا رب العزة في كتابه الكريم عن حقيقة التنوع الإنسانى في عدة آيات قائلًا: "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين"، "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"، "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة".
إذن فالتنوع في الرؤى والأفكار والعقائد والسلوك هو مشيئة إلهية، وسنة كونية إلى يوم الدين، وأى محاولة لمصادرة هذا التنوع أو الحجر عليه بأى صورة من الصور محكوم عليها بالفشل مسبقًا بكل تأكيد، لأنها تحمل أسباب وهنها وضعفها من قبل أن تبدأ، لذلك لا بد أن ندرك أن الأساس في وضع أي آليات لإدارة جميع احتياجات المجتمع السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية أساسها الواجب هو أن تتوافق مع مفهوم "التنوع"..
وأن تكون قائمة على أساس علمى وأخلاقى في آن واحد، كما جاء في البيت الشهير لشاعر النيل "حافظ إبراهيم":
وارفعوا دولتى على العلم والأخلاق... فالعلم وحده ليس يجدى
وهو ما يستوجب منا أن ندرك إدراكًا لا لبس فيه أنه لكى نحقق التوافق والتلاحم الوطنى الحقيقى والمتين، الذي يقوينا ويحمينا ويجعلنا أيضًا طول الوقت في حالة تقدم وتطور، لابد أن نمتلك أحزابًا فتية غير مروضة أو مغلوبة على أمرها، ومجلس نواب يعرف دوره الحقيقى، وغير أليف أو مستأنس..
وإعلام مستنير محترف غير مسيطر عليه أو موجه، وبيئة قول وعمل تتمتع بأقصى درجات التنوع والحرية، ويشعر فيها "الجميع" بأنهم سواء في الواجبات والحقوق، أيًا كانت آراؤهم وتوجهاتهم دون كبت أو خوف أو إقصاء أو مطاردة، ففى اختلافنا رحمة، وفى اختلافنا تكامل.