رئيس التحرير
عصام كامل

آخر انطلاقة لمدفع رمضان

فيتو


ينتظر الناس في رمضان وقت مغيب الشمس حيث يحين موعد الإفطار، ولا توجد وسيلة أقدم من مدفع الإفطار، فهو أسلوب متبع منذ زمن المماليك، واستمرت عليه الدول الإسلامية حتى وقتنا هذا.

"مدفع الإفطار.. اضرب".. من أشهر العبارات التي اعتادتها أسماع المصريين، وتميز شهر رمضان في المحروسة.
وتكاد تجمع المصادر على أن مدينة القاهرة المصرية كانت أول مدينة إسلامية أطلقت المدفع عند الغروب، إيذانا بحلول موعد الإفطار في شهر رمضان المعظم.
ولمدفع الإفطار في مصر قصة طريفة وعجيبة، فيرجع البعض بدايته إلى عهد محمد علي، وبعضهم يرجعه إلى عهد الحملة الفرنسية على مصر.
وكما ذكر أستاذ الأدب الشعبي "أسعد نديم" في مجلة "الفنون الشعبية" عام 1975، أن الحقيقة التي أجمعت عليها أكثر من جهة أن مصر عرفت مدفع الإفطار في زمن الدولة العثمانية، والزمن عام 859 هـ كان يحكم مصر الوالي العثماني "خوشقدم"، وقد تلقى الوالي هدية من صديق ألماني هي مدفع رائع في الشكل والتصميم.
وشاءت الأقدار أن يتم تجربة المدفع في أحد أيام رمضان، فانطلق المدفع أثناء الغروب، وسمع المصريون صوته ففرحوا وأفطروا على صوته.
انتظر الأهالي في اليوم التالي أن ينطلق المدفع ساعة المغرب ليفطروا على صوته، لكنه لم ينطلق، فغضب الأهالي، وخرجوا في مجموعة من الشيوخ والعلماء والأعيان إلى القلعة يطلبون من الوالي ذلك، ولم يجدوا الوالي، لكن قابلوا زوجته، وكان اسمها "الحاجة فاطمة"، فعرضوا عليها الأمر.
تفهمت "الحاجة فاطمة" الأمر، وعرضته على الوالي الذي رحب بمطلب الناس، وأصدر تعليماته بإطلاق المدفع ساعة المغرب في رمضان إيذانا بالإفطار، وعرف المصريون المدفع باسم "مدفع الحاجة فاطمة".
وعن قصة المدفع، يقول الدكتور "إبراهيم جاد الرب"، أستاذ الأدب بجامعة القاهرة، إن المدفع بدعة فرنسية منذ أيام الحملة الفرنسية على مصر، وكان "نابليون بونابرت" قد عرف قيمة شهر رمضان عند المصريين فرغب في مجاملتهم، وأمر ببناء بطارية مدفع فوق المقطم وأخرى في الإسكندرية، وعاد المدفع ينطلق من جديد.
بعد اتباع تقليد ضرب المدفع في رمضان بالقاهرة وقت الإفطار والسحور وفى الأعياد الرسمية انطلقت الفكرة لتشمل معظم الدول الإسلامية.
وظل المدفع يطلق قذائف حية، ثم استبدلت بقذيفة صوتية للأمان وقت أذان المغرب إلى أن عرفت مصر الإذاعة، فأصبح المدفع يطلق عبرها، بل ويُطلق مسجلًا أيضا وقت الإفطار، والإمساك إيذانًا بموعد السحور ليستمع إليه أهل مصر جميعهم، في كل ربوعها.
كان في القاهرة خمسة مدافع للإفطار؛ اثنان منها في القلعة وواحد في كل من العباسية وحلوان ومصر الجديدة، ولكل واحد منها اسم، إلا أن المدفع الرئيسي هو الموجود بالقلعة واسمه (مدفع الحاجة فاطمة).
وكان آخر عام أطلق فيه المدفع بالقلعة عام 1992، ومن وقتها لم يضرب المدفع نهائيا، وتحول المدفع الموجود بالقلعة إلى قطعة أثرية بعد أن قضت التكنولوجيا الحديثة على تراث استمر لسنوات طويلة.
الجريدة الرسمية