هجراتٌ غيرُ شرعية!!
ليستْ الهجراتُ الشرعية هي تركُ حدود الوطن جَبرًا وقسرًا؛ بحثًا عن فرصة للحياة فحسبْ، ولكنها قد تكونُ خروجًا اضطراريًا من قلوبٍ التمس بعضُهم فيها السكينة والمودة والرحمة والحياة الهادئة، فوجدوها جحيمًا لا يُطاق، ونارَ الله الموقدة.
النوعُ الأولُ من الهجرة قد يكونُ قاسيًا وعنيفًا ومُجرَّمًا قانونًا، ولكنَّ أصحابه مدفوعونَ برغبةٍ محمومةٍ في البحث عن فرصة عمل افتقدوها في وطنهم الذي لا يقرُّ العدل مع أبنائه ويتعاملُ معهم بتمييز بعد ثورتين متعاقبتين، وضحايا هذه الهجرة يثيرون الشفقة في جميع أحوالهم، سواء وصلوا إلى ما أرادوا، أو تم توقيفُهم أو لقوا حتفهم.
أما النوعُ الثانى من الهجرة غير الشرعية، فهو الأكثرُ انتشارًا في المجتمع المصرى، ولا أحدَ يعيرُه اهتمامًا، إما خوفًا أو خجلًا، أو تماهيًا مع سياسة دفن الرءوس في الرمال، ولكن عندما تفضحُ الأقدارُ أسرار أطرافه فإنهم لا يجدون تعاطفًا من أحدٍ، بل سخرية وامتعاضًا وتجاهلًا.
الهجراتُ غيرُ الشرعية من الأزواج للزوجات، أو من الزوجاتِ للأزواج، هي الظاهرة الأسوأ والأكثرُ خطرًا على المجتمع، فضلًا عما تعكسُه من انحرافٍ أخلاقىٍّ، تتجلى أصداؤه يوميًا في صفحات الحوادث، وارتفاع وتيرة الطلاق، وما خفى كانَ أعظمَ.
كثيرٌ من بيوت المصريين، من واقع دراساتٍ اجتماعيةٍ ونفسيةٍ متكررةٍ، تحولتْ إلى ما يشبه القبور، وخلتْ من أجواء الرحمة والسكينة والمودة، وتوغلتْ فيها سلوكياتٌ سلبية بغيضة مثل: الجفاء والكراهية.. وصولًا إلى الخيانة بتنويعاتها المختلفة، بدءًا من الخيانة التكنولوجية، وصولًا إلى الخيانة الجسدية، لا سيما عندما تحول ظروف دينية أو برجماتيكية دون إتمام الطلاق.
كالعادة.. استغلَّ المصريون الثورة التكنولوجية وتعددَ وسائل الاتصال أسوأ استغلال، فوظفوها في أغراضٍ رخيصةٍ؛ هذه تتواصلُ مع جارها أوصديق زوجها تواصُلًا رخيصًا، وهذا يتواصلُ مع زوجة جاره، أوصديقة زوجته تواصُلًا بذيئًا، وكأننا صِرنا في حديقة حيوانات مفتوحة، وإنْ كانتْ هناك حيواناتٌ أكثرُ التزامًا من بعض البشر!
ولأنَّ مُعظمَ النار من مُستصغر الشرر، فإنَّ الخيانة التكنولوجية، قد تتطورُ من "شات" إلى موعدٍ، ومن موعدٍ إلى لقاءٍ مفتوح، ومن لقاءٍ مفتوحٍ إلى لقاءٍ مُغلق، في حضور مؤثر للشيطان الذي لن يتركهما –بطبيعة الحال- قبل أن تكتملَ فصول الخيانة إلى نهايتها وحتى تضع أوزارَها.
هناك أسبابٌ لا حصرَ لها لتفاقم هذه الظاهرة الأشدِّ بؤسًا، تبدأ من التربية الخاطئة، وتنتهى بغياب الوازع الدينى، وتتوسطُهما الاختياراتُ الخاطئة والعشوائية لـ"شركاء الحياة".
لو أنَّ كل طرف تمهَّلَ كثيرًا في اختيار شريك حياته، وأدرك من البداية أنه يختارُ نصفه الآخر فعلًا وليس قولًا، لتراجعتْ الهجراتُ غيرُ الشرعية بين الأزواج، بمعدلاتٍ كبيرةٍ، كما تراجعتْ وتيرة الهجرة غير الشرعية، بحسب وزير القوى العاملة "محمد في سعفان" في احتفالات "عيد العمال"، إنْ كانَ صادقًا.
الاختياراتُ العشوائية والمُتسرعة والمرتبكة والمحكومة بالنزوات والأطماع، تنتهى غالبًا بموجاتٍ متلاطمةٍ من الهجراتِ غير الشرعية بين الطرفين، بتنويعاتٍ مختلفةٍ، ولكنَّ جميعها يؤدى إلى نتيجةٍ وحيدةٍ.
"خرابُ البيوت".. ليسَ هو النتيجة الوحيدة الناجمة عن الهجراتِ غير الشرعية بين الأزواج، ولكنَّ الأمور قد تتطورُ إلى الفضيحة و"نشر الغسيل القذر"، إذا ما تطورتْ قضائيًا.
أمَّا النتيجة الأكثرُ سوداوية للهجرات غير الشرعية، فتتجسَّدُ في حالات قتل الأزواج بمساعدة "النيران الصديقة"، وهذه الظاهرة لا تخلو منها محافظة، حتى أنها توغلتْ في أعماق الأرياف والصعيد، وواقعة قتل "كوافيرة" لزوجها، بدعم من صديقها، الأسبوع الماضى، لن تكونَ الأخيرة من نوعها، وقد تتجددَ قبلَ نشر هذه السطور!
وإجمالًا.. فإنه لا مجالَ لوقف هذا النوع من الهجرات غير الشرعية، التي يتوطَّنُ أصحابُها قلوبًا وأجسادًا وأرحامًا لا تحلُّ لهم، مكرًا ودهاءً وتحايُلًا، إلا بالاختيار الصحيح من البداية؛ لأنَّ عشوائية الاختيارات لا تنتج سوى زيجات فاشلة، وبيوت مسكونة بالخراب والخيانة، وأطفال مشردين، ونهايات مأساوية.
القرآن الكريم يقول: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً"، ما يعنى أنَّ السكينة والمودة والرحمة هي الأهدافُ والنتائج المُثلى التي يجبُ أن يترتبَ عليها الزواجُ، وليس الجفاء والهجران وتبادل القضايا الباطلة والهجرات غير الشرعية إلى أحضان العواهر والبغايا ومَنْ يَستحلونَ الخيانة وتدنيسَ الأعراض، وخلط الأنساب، من الرجال والنساء.