الشيخ الشعراوي: نصوم طاعة لأمر الله
كان لشهر رمضان المعظم، مكانة خاصة عند الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، مثل جميع المسلمين، وكأن الله سبحانه وتعالى يفتح عليه في هذا الشهر الكريم فيخرج بعلمه وخواطره الإيمانية على الناس، متضمنا آراء واجتهادات جديدة.
جريدة "الاتحاد" الإماراتية نشرت لقرائها، عام 1980، بعضًا من خواطر الشيخ الشعراوي حول شهر الصوم، شهر رمضان المعظم، حيث يقول:
الصوم عبادة قديمة، فرضها الله سبحانه وتعالى، على الأمم السابقة على أمة الإسلام، وإن اختلفت كيفيته عن صوم أمة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول ربنا سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، فمن تطوع خيرا فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون".
لقد بدأ الله، سبحانه وتعالى، مشروعية الصوم بالأيام المعدودات، مثل يوم عاشوراء أو ثلاثة أيام من كل شهر، إلخ.. والمسلم مُخيَّر في تلك الأيام المعدودة إن كان مطيقًا للصوم.
لكن الحق، سبحانه وتعالى، حين شرع الصوم في رمضان لم يأت فيه ذلك الاختيار بدليل أن كلمة "يطيقونه" لم تأتِ في قول الله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر".
فكأن الصوم في الإسلام قد شُرِع على مرحلتين اثنتين؛ أولاهما أن الله، سبحانه وتعالى، قد شرع صيام أيام معدودة لمن ليس به مرض، ومن لا يطيق الصوم فأمامه خيار أن يصوم، والصوم خير له أو أن يفتدي.
وثانيتهما أن الله، تعالى، حين شرع الصوم في زمن محدد بشهر رمضان، لم تكن فيه هذه الرخصة، بدليل أن كلمة "يطيقونه" هناك جاءت في أيام معدودات، ولم تأتِ مع آية "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه".
فصار الذين يطيقونه والذين لا يطيقونه لا حق لهم في رخصة الفدية، إنما الصيام واجب عليهم إلا من استثناه الحق سبحانه وتعالى وهم المرضى والمسافرون.
إن الحق، سبحانه وتعالى، حينما يرخص لنا لا بد أن تكون له حكمة أعلى بكثير من مستوى تفكيرنا البشري، الذي له حدود ولا يستطيع، مهما بلغت مداركه، أن يتعداها، ويؤكد هذا أن الحق، سبحانه وتعالى، قال: "فمن كان منكم مريضًا أو على سفر"، ماذا يكون الحكم فيه؟ عدة من أيام أخر.
فالمولى، سبحانه وتعالى، لم يقل: فأفطر فعليه عدةٌ من أيام أخر، والذين قالوا: هي رخصة إن شاء الإنسان فعلها، وإن شاء تركها كالإمام الشافعي، رضي الله عنه، مثلا، هؤلاء ذهبوا إلى التقدير في النص القرآني الذي بين أيدينا، ليصبح فمن كان مريضًا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر.
وهؤلاء نقول لهم: إن ما لا يحتاج إلى تأويل أولى في الفهم مما يحتاج إلى تأويل، وليكن أدبنا في التعبد ليس أدب ذوق، بل أدب طاعة لأن الذي لا بد أن نعرفه أن الطاعة فوق الأدب، فالذين يقولون هذا يلحظون أن الله، سبحانه وتعالى، الرحيم بعباده، الرؤوف على خلقه يريد أن يخفف عنا، وما الذي يمنعنا أن نفهم أن الله، سبحانه وتعالى، وهو الحق جعل صيام المريض والمسافر عدة أيام آخر، فهو إن صام في رمضان فليس له صيام، بدليل أن الله تعالى قال: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر".
ثم ينتقل فضيلة الشيخ الشعراوي إلى حديث بعض الناس عن الفوائد الطبية للصوم، وما يقال عن وجود فوائد طبية كثيرة للصوم، وأنه يعتبر علاجًا لمعظم الأمراض، فيقول: أنا لا أحب أن يسرف الناس في هذا الاعتقاد، صحيح أنه لكل العبادات فوائد، فالصلاة مثلا لها فوائد صحية كثيرة، وكذلك الصوم، ولكن المؤمن لا يصلي من أجل الفوائد الصحية للصلاة، ولكنه يصلي استجابة لأمر الله تعالى بفرض الصلاة، كما أنه لا يصوم ليشفي أمراضه بالصوم، ومن يفعل ذلك يبطل ثواب صومه، لأنه لا يصوم استجابة لأمر الله، ولكنه يصوم طاعة لأمر الأطباء.