طه النجار يكتب: لوحة لبلاد الشمس
تذهب بعيدًا، تَتبع أثرك المُنطفئ، تخْدش روحك الثقيلة، وتتسرب الشّمس، وتُعرشّ على جِدار كياسمينة بَدت جميلة للتّوِّ، تُريدك آخر محطّة تصل إليها.
هي الأخرى مُصابة بالحُب، بالغياب، بدواعي اللهفة، بالرسائل القديمة التي تتسكّع حكاياتها في صدري، لكن لا أستطيع استدراجها على طَرف سَطر.
تُشبة جَمرة مُشتعلة تَرتدي رَمادها تحت حُطام التّعب، الأيام، الغَيمة الثقيلة، الليل؛ حضورها وَحده يكفي لأنْ يغفر للمكان قُبحه، يغفر للمساء عتمته، تستطيع الحكايات أنْ تنام معي.
ثلاثة عشرة عامًا وأكثر من الكتابة لم تَكُن كافية لسرد علاقتي بالشّمس، وبأغنية أحببتها، أو رسالة لكِ كتبتها، أو رواية لكِ قرأتها، أو قصيدة من اللهيبِ سمعتها، ولا أعرف كيف أسوغ احتمالات الحُبّ في صدري العميق.
أذهب بعيدًا في سَرد اللقاءات العابرة، في كلمة "مرحبًا" في موقفٍ للحافلات، في تلك الرسالة التي دَسستُها لك في كتابك، وفي كلمة "أنا أنتِ" دون مسافة.
في بلادِ الشّمس تمنيّت أنْ لو أستطيع جَمع الحروف الهاربة في ألوان لوحات ڤان جوخ، أتأمل كل النصوص التي قرأتها وأدهشتك، في الألوان التي تعكسها الشمس عن خاتم في يدك، أخاف أن يهرب وَهج الحروف قبل أن أصيغها لك.
أريد أن أكتب لكِ بالشًغفِ وبالمَلَل، بخطوط يدكِ المُتعرجة قليلًا، أريد أن أكتُب بفمِك..!
في بلاد الشمس أخشى ارتطام الكلمات في صدري، أخشي أن يتعثّر خُروجها، فأُبقيها، ومن ثمّ أتحايل عليها بوردة وقصيدة وصورة، ومعزوفة قديمة تَجُرُّ حقائب الغياب على الحافّة، تُقبّلني.
وتُجلِسني، تَروي لي، تتذكر معي رائحة كل يوم، تستمر في مُراقبة خُطوط يدي؛ وكيف يتخلل الصوت أوردتي، أربِت عليه لينام هادئًا.
شُرفة القلب مُتاحةٌ للغربان، لا عصافير عند اعتذار الرياح، أقتات على الموسيقي والكتابة والرسم، أواسي مطرًا يضرب زُجاج نافذتي غاضبًا، أحتضن أعواد الثقاب المشتعلة كي لا تنطفئ، أتفقد أعمدة الشوارع في اللون الرمادي؛ أتخلص من عاداتي وأنساها مع غيمة، أطفئها بهدوء، وأشتعل أنا والشمس معًا..!