رئيس التحرير
عصام كامل

ما هي حدود الحرية الشخصية للمتهم أثناء التحقيق؟


الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق، ويجب أن يُبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، وتمكينه من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته.


ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة وفقًا للإجراءات المقررة في القانون. ولكل من تقيد حريته ولغيره حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا..

وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي ومدته وأسبابه وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه، وفي جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو منتدب.

ونعلم ويعلم الكافة أن أي نظام اتهامي يترتب عليه توقيع جزاء جنائي أو تأديبي يجب أن يتم سؤال المتهم أو استجوابه ومواجهته بالاتهامات المنسوبة إليه، حيث يهدف قانون الإجراءات الجنائية إلى كفالة حق الدولة بالعقاب عن طريق منحه للسلطة القضائية حقًا في البحث والتحري وجمع الأدلة، وأجاز لها مباشرة إجراءات قانونية للوصول إلى الحقيقة، وفي المقابل وضع قيودًا على هذه السلطة بوصفها ضمانات للمتهم ليتمكن من معرفة ما له من حقوق، وينظم الوسائل الدفاعية التي سلكها في سبيل حمايته.

والاستجواب كإجراء تحقيق له هدفين، فهو وسيلة لكشف الحقيقة بوصفه إجراء من إجراءات جمع الأدلة، وهو أيضًا وسيلة دفاعية بوصفه قيدًا على السلطة القضائية يمكن المتهم من أن يعلم بالتهمة الموجهة إليه والأدلة المقامة ضده، ليتاح له إبداء ما يساعده في كشف براءته..

فمن خلال الاستجواب تتمكن سلطة التحقيق، بعد التثبت من شخصية المتهم، أن تناقشه في الاتهام المنسوب إليه على وجه مفصل في الأدلة القائمة إثباتًا ونفيًا، خلافًا لما هو عليه إجراء سؤال المتهم الذي يقوم به أعضاء الضبط القضائي في مرحلة الاستدلال، لأن الأخير، ما هو إلا سماع أقوال المتهم فيما يتعلق بالتهمة المسندة إليه دون الخوض في جزئيات التهمة ودون تحقيق دفاعه.

ولا يجوز لسلطة التحقيق في غير حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة، أن يستجوب المتهم بجناية أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد، ولا يجوز للمحامي الكلام إلا بإذن سلطة التحقيق له، مع السماح للمحامي بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة ما لم يقرر القاضي غير ذلك. وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق وإغفال مواجهة المتهم بالاتهام ومواجهته بأدلة هذا الاتهام يجعل التحقيق باطلًا.

والقرآن الكريم قبل هذا النظام بأكثر من ألف عام وضع أساسًا واضحًا لضرورة مبدأ المواجهة مع من ارتكب جريمة أو مخالفة حتى يحق عليه العقاب، فسبحانه وتعالى ذكر في محكم آياته أن إبليس كان من الجن وأمره الله بالسجود مع أمره الأصلي للملائكة بالسجود فلم يفعل، فقال تعالى "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" (الكهف 50).

والأمر الخاص له بالسجود مفهوم ضمنًا في قوله تعالى "ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك" (الأعراف 12) أي أن هناك أمرا خاصًا به بعيدًا عن الملائكة ولم يطعه إبليس، ومع علمه سبحانه وتعالى اليقيني بسبب عدم سجوده قام بسؤاله ليحق عليه العقاب، وعندما أجاب في ذات الآية "أنا خير منه خلقتني من نار وخلفته من طين"، حق عليه العقاب، وقال سبحانه: "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين" (13).

وهكذا أوضح الله سبحانه وتعالى وله المثل الأعلى دستورًا واضحًا لإمكان العقاب ضرورة أن يسبقه مواجهة المتهم بالاتهام، ومن الضمانات الجوهرية التي حرص الشارع على مراعاتها في التحقيق مبدأ المواجهة، وذلك بإيقاف المتهم على حقيقة التهمة المسندة إليه، وإحاطته علمًا بمختلف الأدلة التي تشير إلى ارتكابه المخالفة حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه، وأنه يلزم حتى تؤدي مواجهة العامل بالتهمة غايتها كضمانة أساسية للمتهم أن تتم على وجه يستشعر منه أن التحقيق بسبيل مؤاخذته إذا ما ترجحت لديها إدانته حتى يكون على بينة من خطورة موقفه فينشط للدفاع عن نفسه.

ولا يغني عن هذه المواجهة مجرد القول بأن الواقعة ثابتة ثبوتًا ماديًا لا شبهة فيه، لأن الحكم على الثبوت المخالفة أو انتفائها مرده إلى ما يسفر عنه التحقيق الذي يعتبر توجيه التهمة وسؤال المتهم عنها وتحقيق دفاعه في شأنها أحد عناصره الجوهرية.. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية