شيخ الأزهر: باريس التي عرفتها
باريس مدينة الفن والجمال، هي جنة فيها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين، فيها للأرواح غذاء للأبدان غذاء، وفيها لكل داء في الحياة دواء.
فيها كل ما ينزع إليه ابن آدم من جد ولهو ونوم وصحو ولذة وطرب وعلم وأدب وحرية في دائرة النظام لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود.. إنها باريس عاصمة الدنيا ولو أن للآخرة عاصمة لكانت باريس.
هكذا قال الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر عندما وصف باريس، وكما نشرت مجلة المصور عام 1954 فإن الشيخ مصطفى عبد الرازق هو شيخ الإسلام الذي التقت عنده ثقافة الشرق التليدة مع ثقافة الغرب الحديث، وهو أول شيخ للأزهر تخرج من جامعات باريس وكان الشيخ الثانى الذي تولى الأزهر بعد أن مزج بين الثقافة الإسلامية والثقافة الباريسية هو الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر.
يقول الشيخ تاج: سأحدثكم عن باريس ويالها من مدينة وياله من حديث، ولكن لا تظنوا أنى سأتناول في حديثى باريس اللاهية.. بل سأحدثكم عن باريس التي عرفتها وعرفتنى، سأحدثكم عن باريس المعلمة التي تكشف عن مفاتنها الرائعة.
وأضاف تاج: تقرر إيفادى في بعثة إلى السوربون بباريس عام 1936 واصررت على اصطحاب زوجتى واولادى حتى أطمئن على نفسى في باريس.
دخلت باريس لأول وأنا أجهل الفرنسية تماما مما سبب لى مواقف محرجة، التحق أولادى بمدارس الليسيه وهى المدرسة التي تعلم فيها لويس باستير وفيكتور هوجو، كنا نقيم في الحى اللاتينى بفندق اسمه لاسلكت، لقربه من السوربون، ودرست الفرنسية بمدرسة الألبانس فرانسيز ليلا ونهارا حتى تعلمتها.
وصادفتنا مشكلة الطعام فكنا لا نأكل إلا الأورديفر خشية تناول اللحوم، ثم ذهبنا إلى سلخانة باريس وصممنا على ذبح اللحوم بالطريقة الشرعية ويومها بدأنا نأكل اللحوم.
كنت أهدف دراسة الأديان لكن أعلنت الحرب عام 1939 ونحن في باريس، فعانينا شظف العيش في غربتنا وانتهت معركة باريس بدخول الألمان.
ولن أنسى كيف كان أهل باريس يبذلون كل ما فى وسعهم للتخفيف عنا وتكريمنا ويدعوننا لحضور حفلاتهم وأعيادهم الرسمية، وكنت أحضر بالجبة والقفطان، وفى النهاية أقول: حقيقة أن باريس هي سجل الحياة وقاموس الوجود، وفى الصورة الشيخ عبد الرحمن تاج وأسرته.