العقوبات الأمريكية على إيران.. تصعيد أم مجرد مناورة؟
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية منذ قرابة نصف عام ومن جانب واحد عقوبات جديدة على إيران، لكنها سمحت لأكبر ثمانية مشترين للنفط الإيراني باستيراد كميات محدودة.
وتنتهي تلك الإعفاءات في 2 مايو المقبل. ولو كان الأمر متروكًا لإرادة الولايات المتحدة، لمنعت شراء نفط إيران على كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وإيطاليا واليابان واليونان وتايوان.
وبعد إعلان الولايات المتحدة عن نيتها عدم تمديد الإعفاءات، ارتفع سعر النفط إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر. وكلف برميل من نفط بحر الشمال "برنت" 74.69 دولار.
وعن هذا الارتفاع قال المحلل الاقتصادي لدى بنك "كومرتسبانك"، أويجن فاينبيرج: "لا يمكن استبعاد زيادة أخرى للأسعار". وأضاف فاينبيرج:" في حالة طُبقت القواعد بصرامة، فإننا نخاطر بزيادة سعر النفط بما يزيد عن ثمانين دولارًا في وقت قصير للغاية".
ماذا يريد ترامب؟
الوضع لا يسمح بالتنبؤ بما ستحمله الأيام القادمة. خاصة أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب نفسه قد اشتكى من ارتفاع أسعار النفط.
وقال فاينبيرج في حواره مع DW: "هناك عجز في المعروض في سوق النفط". وأضاف المحلل الاقتصادي: "بسبب التخفيضات الطوعية في الإنتاج من قبل منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) والنقص غير الطوعي للإنتاج في فنزويلا، يفتقر السوق في الوقت الحالي إلى ما يصل 500 ألف برميل يوميًا".
ويعتقد فاينبيرج أنه في حالة الإلغاء التام للإعفاءات بالنسبة لمشتري النفط الثمانية، قد تتسع هذه الفجوة أكثر إلى ما يصل إلى مليوني برميل يوميًا. "لكن الأسواق ترجح سيناريو آخر، والمتمثل في حصول دول مثل الصين وربما الهند على اعفاءات جديدة أو أنها قد لا تشارك في العقوبات".
وتعد الصين أهم مشتر للنفط الإيراني، حيث استوردت بكين العام الماضي نحو 585 ألف برميل يوميًا. وتأتي بعدها الهند وكوريا الجنوبية وتركيا.
رسالة حادة من الصين
أدانت وزارة الخارجية الصينية تشديد العقوبات الأمريكية على إيران. وقال متحدث باسم بكين إن العلاقات التجارية بين إيران والدول الأخرى "معقولة وقانونية"، في حين تفتقر عقوبات الولايات المتحدة إلى الأسس القانونية، وأضاف نفس المتحدث: "نحث الولايات المتحدة على التصرف بمسئولية والقيام بدور بناء". وقدمت الحكومة الصينية شكوى في واشنطن، حسب تصريحه.
الأمر الوحيد المؤكد هو أن المحادثات الجارية بشأن تسوية النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين لن تكون سهلة مع إلغاء الإعفاءات.
من جهتها قالت الهند، ثاني أكبر مشتر للنفط الإيراني، إنها ستشتري النفط من جهة أخرى. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في دلهي إن الهند تبحث مع شركائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، عن سبل لحماية مصالحها في مجال الطاقة. وقبل بضع سنوات، تجاوزت الهند العقوبات المفروضة على إيران من خلال تمويل النفط عن طريق نظام المقايضات.
وأنشأ الأوروبيون آلية مالية للتعاون مع إيران والمعروفة بـ Instex لتجاوز العقوبات الأمريكية. ولم يظهر بعد مدى نجاعة عمل هذه الآلية. ووصفت المتحدثة باسم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني خبر تشديد العقوبات المُعلن عنها يوم الثلاثاء بـ "المؤسف".
"علامات للتصعيد"
من جهته يرى ساشا لومان، من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) في برلين أن نهاية الإعفاءات تظهر نجاح مساعي المتشددين داخل الإدارة الأمريكية. كما تشير "إستراتيجية الضغط لأقصى حد" إلى توقع المزيد من العقوبات.
وقال لومان لـ DW: "في الوقت نفسه، قد تستمر التهديدات لإيران. كما توجد في البحر المتوسط ، مجموعتان من حاملات الطائرات مستعدتان لإضافة عنصر عسكري إلى هذه التهديدات". ويرى الخبير أنها "علامات للتصعيد".
من جانبه قال وزير النفط الإيراني، بيجن زنجنه، الثلاثاء (22 أبريل) إن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تقليص صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر. ويرى لومان: "في الواقع سيظهر بعد 2 مايو، ما إن تم إيجاد "حلول مبتكرة" للحكومة الإيرانية مقابل بيع مليون ومليون ونصف برميل يوميًا التي تحتاجها من أجل تغطية نفقاتها الاقتصادية، وأضاف الخبير: "للهند تجربة سابقة مع نظام المقايضات. وما يريد الاتحاد الأوروبي فعله مع الآلية المالية Instex في قطاعي الموارد البشرية والزراعة، يمكن أن يمتد ليشمل قطاع النفط أيضًا".
يبدو أن هناك حافزًا خلف موقف الولايات المتحدة، لأنه كلما زاد الضغط على إيران، زاد احتمال تخلف إيران عن التزاماتها بموجب الاتفاقية النووية. ولهذا السبب، اتهمت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة تعريض الاتفاق النووي حول ضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني، للمزيد من الخطر.
مزيد من التمديد
لكن الوضع لا يخلو من المخاطرة، حتى بالنسبة للولايات المتحدة. لأنه من غير المؤكد ما إن كانت السعودية سترفع على الفور من إنتاجها لسد فجوة النفط، كما يقول المحلل فاينبيرغ، لأنها تريد سعرًا أكثر من 80 دولارًا للبرميل. مع بداية موسم العطلات الصيفية، يهدد ارتفاع أسعار الوقود الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، أظهرت التجارب السابقة أن تهديدات ترامب قد تكون غوغائية وغير جادة أحيانًا. وقال فاينبيرج: "في العام الماضي، هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات صارمة، وقبل وقت قصير من دخولها حيز التنفيذ، كانت هناك استثناءات سخية"، ويرى أن ذلك قد يتكرر هذه المرة، حسب اعتقاده.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل