العدل!
كلما اشتد الظلم في الدنيا وارتفعت راياته إلى الحد الأقصى أتذكر فورًا اسم الله جل وعلا "العدل" فتهدأ نفسى على الفور، وتزداد يقينًا على يقين أن آياته المزلزلة الخاطفة في الظالمين نافذة لا محالة ولو طال الأمد، مصداقًا لقوله تعالى: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"..
وكلما رأيت سلوك وأفعال بعض المسئولين الذين لا يتقون الله في الناس، ولا يؤدون ما عليهم من واجبات وظيفية وإنسانية، أتذكر فورًا الخليفة العادل الزاهد "عمر بن عبد العزيز" الذي قام في عهده بإطعام الجياع فلم يتبقى جائع واحد، وزوج الشباب فلم يتبق عازب، وسدد جميع الديون فلم يتبقى مدين، ونشر الحبوب على أسطح المنازل لتأكل الطير، فلما سئل في ذلك قال: حتى لا يقال أن الطيور قد جاعت في عهد "عمر بن عبد العزيز".
يا الله.. ما كل هذا العدل، وما كل هذه الإنسانية والرحمة، وما كل هذا الاستشعار للمعنى الحقيقى للمسئولية والإحساس بظروف الناس، بل وتجاوز ذلك بالإحسان حتى إلى الطير.
أقسم بالله العظيم أننا لو حرصنا على محاربة كل ما يكرس للظلم، ويرسى للبطش بمقدرات الناس، واستبدلنا ذلك بتطبيق أقصى معايير العدل بين الجميع في كل الأمور صغيرها وكبيرها، لخلت السجون من روادها، ولما وجدنا سارقًا أو قاتلًا أو معتديًا، لأن العدل عندما يتوفر في المجتمع، يختفى معه على الفور جميع الأسباب التي تؤدى إلى وجود الفرقة والشحناء والبغضاء، وتحضرنى هنا إحدى الروايات عظيمة الدلالة، عندما بعث أحد الولاة ذات يوم إلى الخليفة "عمر بن عبد العزيز" يطلب منه كمية من المال ليبني سورًا حول عاصمة الولاية، فقال له "عمر": وبماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونق طرقها من الظلم.
إذًا.. هل تلين القلوب القاسية؟ هل تتعظ العقول الباغية؟ هل تتذكر النفوس الناسية؟.. ندعو الله جل وعلا أن يحدث ذلك قبل أن يفوت أوان الظالمين، والباغين، والناسين.