هشام الحصري وكيل لجنة الزراعة بـ"النواب": تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح يبدأ بتحديد سعر عادل
- السعر الحالى يحقق هامش ربح محدود جدا للفلاح
- إذا رغبنا التوسع في زراعة القمح فلابد من تشجيع الفلاحين على زراعته
مع إعلان وزارة التموين والتجارة الداخلية، الأسبوع قبل الماضى، عن بدء موسم توريد القمح المحلى، تتجدد قضية كل عام، حيث يثور ويغضب الفلاحون احتجاجًا على الأسعار الحكومية، التي تتراوح هذا العام بين 655 جنيهًا و685 جنيهًا للأردب الواحد، بحسب درجة نقاوته، في الوقت الذي يترقب فيه أباطرة السوق السوداء الموقف، ليتدخلوا في اللحظة المناسبة، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والأرباح.
تذهب حكومة، وتأتى أخرى.. ويبقى الفلاح في الخانة الأخيرة من اهتماماتها وأولوياتها، ومهما بحَّ صوته وعلا، فإنه لا أحد يسمعه أو ينتبه إليه، وما يحدث هذا العام أكبر دليل، حيث يرى مزارعو القمح أن أسعاره لا تغطى تكاليفه ولا تعوضهم عناء موسم كامل من الكد والتعب، وبعضهم أعلن أنه لن يورده للحكومة، والبعض الآخر قرر الاحتفاظ بمحصوله، وفريق ثالث أعلن عدم زراعته مرة أخرى.
وبعيدًا عن تلك العلاقة المتوترة بين الحكومة والمزارعين، فإن حلم تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح صار من رابع المستحيلات، ويكفى أن تعلم مثلًا أن مصر، الموصوفة بالدولة الزراعية والتي كانت يومًا سلة الغذاء، استوردت العام الماضى 12 مليون طن من القمح، وسط تسريبات متجدة عن ارتفاع سعر الرغيف قريبًا..
"فيتو" أجرت عدة حوارات عن مشكلات وأزمات القمح، وهل الحكومة مقصرة أم تضطلع بدورها، وهل الفلاح مُحقٌ في غضبه المستمر منها أم لا، ومتى وكيف يأتى اليوم الذي تحقق فيها مصر اكتفاءها الذاتى من القمح، وتتوقف عن إهدار العملة الصعبة كل عام لاستيراده؟!
وفى هذا السياق حدد النائب هشام الحصرى، وكيل لجنة الزراعة بمجلس النواب، عدة خطوات يجب على الحكومة اتباعها لإنهاء أزمة القمح المتكررة كل عام مع موسم توريده، أهمها إعلان الحكومة سعر توريد القمح قبل موسم زراعته، وتجهيز صوامع حديثة لتخزينه بالكامل، وتوفير منافذ استلام له بالقرى، وأوضح الحصرى في حوار لـ"فيتو" أن أسعار توريد القمح العام الحالي، تحقق هامش ربح محدود، مشيرا إلى أهمية تحقيق هامش ربح عادل للفلاح، لتشجيعه على زراعته، مشيرا إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، ليس سهلا، ولكنه يتحقق بزيادة المساحات بعد تحديد سعر عادل للتوريد، وكذلك باستنباط سلالات ذات إنتاجية عالية وتتحمل ملوحة المياه، واستكمال منظومة الصوامع.. وإلى نص الحوار:
*في البداية كيف ترى أزمات كل عام المصاحبة لموسم توريد القمح؟
الأزمات تتخلص في أسعار التوريد، وأماكن التخزين، ومعاناة الفلاحين خلال توريد محصولهم، وهو الأمر الذي يجعل الفلاح يفكر كثيرا في زراعة القمح قبل موسم الزراعة من كل عام، وأرى أن هناك خطوات تم البدء فيها من جانب الحكومة، خلال الفترة الماضية، لحل تلك الأزمات، ولكنها غير كافية.
*وكيف يتم مواجهة تلك الأزمات من وجهة نظركم؟
أولا بالنسبة لأسعار توريد القمح، لا بد من إعلان تلك الأسعار من جانب الحكومة، قبل بدء موسم زراعة القمح، ويحقق هامش ربح مناسبا للفلاح، وذلك للتشجيع على زراعة القمح، وخاصة أنه محصول إستراتيجي.
*ألم تعلن الحكومة عن سعر توريد القمح هذا العام؟
أعلنت عنه في شهر مارس، بعد بدء موسم الزراعة، وقبل موسم حصد المحصول، وبالتالي لم يتم تشجيع العديد من أصحاب المساحات الواسعة لزراعة القمح.
*وماذا عن سعر هذا العام، أليس كافيا للفلاح؟
السعر يبدأ من ٦٥٥ جنيها للأردب حتى ٦٨٥ للإردب، حسب درجة نقاوة القمح، بمعنى أن القمح درجة نقاوة ٢٢.٥ بـ ٦٥٥ جنيها للإردب، ودرجة نقاوة ٢٣ سعر الإردب ٦٧٠ جنيها، ودرجة نقاوة ٢٣.٥ سعر الإردب ٦٨٥ جنيها، وأرى أن ذلك السعر يغطى تكاليف الزراعة، ويحقق هامش ربح محدود جدا للفلاح، ولكنه غير كافٍ لتحقيق هامش ربح مجزٍ للفلاح يشجعه على زراعة القمح، وهنا أؤكد أنه حال وجود نية لدينا للتوسع في زراعة القمح، فلابد من تشجيع الفلاحين على زراعته، وذلك بإعلان السعر قبل الزراعة، ويكون السعر عادلا، حيث يكون ذلك أكبر حافز للفلاحين، لكى لا يتعرضوا للخسارة، مثلما حدث من قبل.
*ومن المسئول عن تحديد ذلك السعر؟
الحكومة ممثلة في وزارة التموين ووزارة الزراعة، حيث يمكنهم تحديد تكاليف الزراعة، ووضع سعر عادل لتوريد أقماح الفلاحين، قبل الزراعة بفترة كافية، وهو ما سيؤدى لزيادة مساحات القمح.
*وماذا عن باقى الخطوات اللازمة لمواجهة الأزمات؟
بعد تحديد السعر، تأتي خطوة هامة للغاية، وهى صوامع التخزين الحديثة التي تحافظ على القمح دون إهدار له، وأرى أن الحكومة قامت بعدة خطوات إيجابية خلال الفترة الماضية، في ذلك الأمر لحل الأزمة بنسبة ٨٠%، حيث تم التوسع في المساحات التخزينية وإنشاء الصوامع الجديدة الحديثة، وباقى ٢٠%، ونحتاج الإسراع في الانتهاء منها، لاستيعاب الإنتاج بالكامل في موسم الحصاد، ثم تأتى بعد ذلك خطوة أخرى لا تقل أهمية، وهى منافذ الاستلام، حيث لابد من توفير منافذ عديدة، ليتمكن الفلاح من تسليم الأقماح بصورة آدمية، ولا يقف طابورا طويلا لعدة أيام أمام المنافذ، نظرا لقلة عددها، وهنا أرى أن على البنك الزراعى المصرى أن يقوم بدوره من خلال الشون التابعة له على مستوى الجمهورية، لتكون منافذ استلام إضافية للمنافذ الأساسية التابعة لهيئة السلع التموينية بوزارة التموين، كما أطالب أيضا، بضرورة أن يتم استخدام مقرات الجمعيات الزراعية بالقرى، كمقار لاستلام أقماح الفلاحين، ومراكز تجميع، لنقلها عقب ذلك إلى الصوامع، وذلك تخفيفا للزحام أمام المنافذ الأخرى، وخاصة أن أغلب قرى مصر بها مقار للجمعيات الزراعية يمكنها استقبال أقماح الفلاحين، وأرى أنه حال تنفيذ تلك الخطوات خلال موسم التوريد الحالي، فلن تكون هناك أزمات كبرى مثل الماضى.
*وماذا عن تجارة القمح في السوق السوداء، كيف يتم مواجهتها ؟
كلما تم التوسع في إنشاء منافذ استلام للقمح، وفتح مقار الجمعيات الزراعية بالقرى، لاستلام الاقماح، وإعلان السعر قبل الزراعة، ستنتهى السوق السوداء، نظرا لأن التجار يستغلون عدم وجود منافذ قريبة من الفلاح، وفى الماضى كانوا يستغلون تأخر إعلان سعر التوريد، ليجمعوا القمح من الفلاحين بالقرى، عقب حصاده، بسعر بخس، وكان الفلاح يضطر لذلك، لأنه كان يجنب حاجته من القمح ثم يريد بيع باقى إنتاجه بشكل سريع، في الوقت الذي تبعد فيه منافذ التوريد عنه، ما يحمله تكاليف نقل كبيرة، بالإضافة إلى تأخر إعلان السعر، وبالتالي كان يفضل بيعه للتاجر القريب منه، والذي يجمع كميات كبيرة بهذا الشكل، وغيره من التجار، ليتحكموا في السوق بعد ذلك، أو يستفيدوا من رفع الحكومة لسعر توريد القمح، وبالتالي، فالسوق السوداء تنتهى مع تنفيذ تلك المنظومة، ويستفيد الفلاح مباشرة، بعيدا عن استغلال التجار له..
*وهل إعلان السعر قبل الزراعة، ستزيد المساحات المزروعة؟
بالفعل، شرط أن يحقق السعر هامش ربح مناسبا وعادلا للفلاح، حيث سيقبل الفلاح على زراعته خاصة وأن الفلاح المصرى يحب زراعة القمح كمحصول أساسى لديه، لينتج منه حاجته من الخبز، وكذلك إعلان سعر عادل قبل الزراعة، يشجع أصحاب المساحات الكبرى، على الزراعة ماداموا لن يخسروا أموالهم.
*ومتى نحقق الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح من وجهة نظركم؟
تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، أمر ليس سهلا، ولكن مطلوب منا أن نأخذ خطوات إيجابية تجاهه، وأولها تحديد سعر عادل قبل موسم الزراعة، وكذلك تنشيط وتفعيل مراكز البحوث الزراعية، والتي أرى لها دورا ولكن نحتاج منها التوسع لاستنباط أصناف جديدة تتميز بزيادة الإنتاجية والبقاء في الأرض فترة ليست طويلة ما يسهل التوسع الرأسى في ظل أزمة مصر في مياه الرى، وكذلك استحداث أصناف تتحمل درجات الملوحة العالية للمياه، لنتمكن من زراعة القمح في الأراضي المستصلحة بالصحراء والتي ترتفع نسبة ملوحة المياه بها، مثل أراضي منطقة المغرة بمطروح وغيرها من المناطق الصحراوية، كذلك يتطلب زيادة الإنتاج، استكمال منظومة الصوامع الحديثة، التي تقضى على نسبة الفقد، التي كانت تحدث من قبل، عندما كان يتم التخزين، في الصوامع الترابية، حيث كانت هناك نسبة فاقد نتيجة التعرض للظروف الجوية والحشرات والطيور.
*وماذا عن باقى مشكلات الفلاح ومدى اهتمام الحكومة بها؟
للأسف الفلاح، هو المظلوم دائما، حيث لا يوجد دخل له سوى من زراعته، وعندما يبيع إنتاجه للتاجر، يسعى التاجر لتحقيق هامش ربح مبالغ فيه، ودون عناء، في الوقت الذي يتعب فيه الفلاح، ويبذل جهدا ووقتا طويلا في زراعة أرضه ويمدها بالبذور والأسمدة والمياه والمبيدات، ولا يجنى في النهاية تكاليف إنتاجه في أغلب الأحيان، وإن حقق ربحا في بعض المرات لا يتعدى الـ ٢٠ في المائة، مقارنة بالتاجر الذي يسعى لتحقيق هامش ربح يتعدى الـ ١٠٠ في المائة، دون أي عناء.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..