رئيس التحرير
عصام كامل

هدى بركات.. حكاية صاحبة رسائل الليل المبعثرة في "البوكر"

هدى بركات
هدى بركات

"حكايات أصحاب الرسائل، التي كتبوها وضاعت مثلهم في البحر.. لكنّها تستدعي رسائلَ أخرى، تتقاطع مثل مصائر هؤلاء الغرباء.. هم المهاجرون، أو المهجّرون، أو المنفيُّون المشرَّدون، يتامى بلدانهم التي كسرتها الأيَّامُ فأحالت حيواتِهم إلى لعبة "بازل".


أرادت هدي بركات الروائية اللبنانية أن تنقش بكلماتها في رواية "بريد الليل" شخوصًا مختلفين عن الواقع، فليس في هذه الرواية من يقين. "ليس مَن قَتَلَ مجرمًا، ولا المومسُ عاهرةً. إنّها، كما زمننا، منطقة الشكّ الكبير، والالتباس، وامِّحاء الحدود... وضياع الأمكنة والبيوت الأولى".

وكانت روايتها "بريد الليل" واحدة من 6 روايات تضمنتها القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2019، التي ستعلن اليوم من العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

بين بيروت وفرنسا
ولدت هدي بركات في بيروت عام 1952، ودرست الأدب الفرنسي، وأصدرت أولى أعمالها الروائية (زائرات) في عام 1985، بعد أربع سنوات قررت أن تترك بيروت إلى باريس، التي تعيش بها حتى الآن.

لم يكن قرار هدى بركات بالاستقرار في باريس عفويًا أو بدون أسباب، فهدى التي ولدت بالبلدة المارونية بشري، وانتقلت إلى بيروت لتدريس الأدب الفرنسي بالجامعة اللبنانية، سافرت إلى باريس عام 1976، حيث بدأت دراستها العليا.

وتزامن سفرها لباريس للدراسة اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، فعادت إلى لبنان مرة أخرى، لتبدأ العمل في مجال التدريس والترجمة والصحافة. وكتبت هدي روايتها الأولى "زيارات".

أفضل رواياتها
واستقرت هدى في باريس بعد مغادرة لبنان عام 1989، وهناك بدأت في نشر أهم أعمالها الأدبية "حجر الضحك"، حصلت بها على جائزة النقد فقد كان أول عمل عربي تكون الشخصية الأساسية فيه لرجل مثلي، وصف عمر خاطر الرواية بأنها أفضل رواية كتبت عن الحرب الأهلية بلبنان وكنبت "أهل الهوي"، لم يتوقف سفرها على باريس، ففي عام 2003، زارت هدي بريطانيا، في زيارتها الرسمية لأول بث لمجلة "بانيبال" البريطانية، مجلة للأدب العربي المعاصر.

وحصلت هدى بركات على جائزة نجيب محفوظ للأدب عن رواية (حارة المياه) في عام 2001، كما منحتها الحكومة الفرنسية رتبة الفارسة في الأدب والفنون عام 2002 وفي عام 2008 أخذت وسام الإستحقاق.

وبدأت هدى عصر توهجها الأدبي بين عامي 2010 و2011، عندما رشحت كعضوة بمؤسسة أبحاث "نانت" الفرنسية، واختيرت عام 2013 كأول باحثة عربية بقسم الدراسات الشرق أوسطية. استمر توقدها فنافست الروائي الليبي إبراهيم الكوني على جائزة البوكر عام 2015.

مانيفستو عاطفي
وكانت هدي بركات تعمل في إذاعة الشرق بباريس، وفي الفترة الباريسية صدر لها 4 روايات "حجر الضحك"، "أهل الهوي"، و"حارث المياه، و" سيدي وحبيبي".

"بريد الليل" مانيفستو عاطفي، ليس سياسيا، إنّها أقرب إلى الشكوى العميقة التي لا تجد من تشكو إليه. فأحداث السنوات الأخيرة، كما تسمّيها، كشفت أعطابا كثيرة في مجتمعاتنا العربيّة، أعطابا وجوديّة بالفعل، وأكثر من دفع الثمن هم الضعفاء المنكشفون دون حماية، وهؤلاء الذين ازدادوا غربة على غربتهم" هكذا قالت هدي بركات عن روايتها التي جاءت في القائمة القصيرة لجائزة البوكر، وكان حديثها لصحيفة "العرب" اللندنية.

رسائل ليلية
روايتها المرشحة للجائزة "بوكر" عبارة عن رسائل ليلية خطت بأيدي أصحابها التعساء، المهاجرين والكسالى والضائعين والمنفيين، الفاقدين لأوطانهم ومنازلهم، الشاردين في الوهم، ليسوا جاحدين لماضيهم لبلدانهم المريضة.

وتدور حكايتهم في حمأ السنوات الضائعة التي لا تخلف وراءها سوى رائحة اللاشيء، المصائر المبتورة، والأماني الزائفة التي تعود أصحابها على ارتدائها ليلًا، رسائل لم تصل، رسائل خائفة، موجزة، لاذعة، عن الحب المهجور، عن مجرم تلاحقه التفاصيل، رسائل تفتح لتفتح معها مأساة أوطان، ضمائر متسخة ووعود زائفة بحياة أكثر حظًا وأقل تعاسة.
الجريدة الرسمية