لماذا "يورو كلير" يا حكومة؟
لا أجد مبررا لأقدام الحكومة المصرية على توقيع مذكرة تفاهم مع بنك "مشبوة" مثل "يورو كلير" لربط إصدارات أدوات الديون الحكومية المصرية بالعملة المحلية مع "البنك البلجيكي"، على الرغم من الفضيحة العالمية الكبري التي تم الكشف عنها مؤخرا، والتي أكدت تورطه في تهريب "أموال الشعب الليبي" المجمدة بقرار من مجلس الأمن منذ عام 2011، وتحويلها لدعم "جماعات إرهابية" في ليبيا.
ولعل الغريب في تصرف الحكومة المصرية، التي لم تجد حرجا في الإعلان عن توقيع مذكرة التفاهم في الأسبوع الماضي، أنها لم تعلن عن الأسباب التي دفعتها لاختيار مثل هذا "البنك المشبوة" على الرغم من وجود كيانات مصرفية عالمية مشهود لها بحسن السمعة، كان من الممكن إسناد الأمر إليها، وجميعها تتمنى التعامل في الدين الحكومي المصري، وطرحه للاستثمار لشريحة أكبر من المستثمرين والبنوك المركزية التي تفضل التعامل في السندات والأوراق المالية الحكومية طويلة الأجل.
وحتى نعي حجم فضيحة "يورو كلير" ومدي الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة المصرية، فقد قام "نظام القذافي" في عام 2011 بإيداع 12.8 مليار دولار في البنك البلجيكي، وقرر مجلس الأمن تجميد تلك الأموال بعد الإطاحة بالقذافي، مع غيرها من الأموال الليبية في بنوك العالم.
وعلى الرغم من التزام كل الكيانات المصرفية في العالم بقرار مجلس الأمن، إلا أن "يورو كلير" تحايل على القرار الدولي، وقام بتسريب نحو 5 مليارات يورو من أموال الشعب الليبي لمليشيات "جبهة الوفاق الإرهابية" التي يتزعمها فايز السراج، التي تخوض في الوقت الحالي معارك طاحنه مع الجيش الوطني الليبي من أجل فرض سيطرتها على العاصمة طرابلس.
وحتى نعلم مدى قذارة البنك الذي وقعت معه الحكومة مذكرة التفاهم، فقد قام "البنك البلجيكي" بمحاولة تضليل العالم و"المؤسسة الليبية للاستثمارات الخارجية" المخولة بالإشراف على الأموال الليبية في الخارج، وذلك بتحويل الأموال إلى عملاء مجهولين في "بريطانيا ولوكسمبرج والبحرين" ومنهم إلى المليشيات الإرهابية في طرابلس.
فضيحة "يورو كلير" استفزت مجلس الأمن، الذي أصدر بيانا في العام الماضي وصف فيه تصرف البنك ب "عملية النهب الكبرى" خاصة بعد أن برر البنك الفضيحة "كذبا" بأنه تصرف في الفوائد التي لا يشملها قرار التجميد، في الوقت الذي ثار فيه البرلمان البلجيكي، وأشار بأصابع الاتهام لوزير خارجيته "ديدييه رايندرز" الذي كان يمتلك في ذلك الوقت سلطة اتخاذ القرار في هذه الأموال، في حين وصف النائب العام البلجيكي الأمر بـ"الفضحية الكبيرة" وقرر فتح تحقيق موسع فيه.
العقل يقول أن "الحكومة المصرية" ليست مجبرة على التعامل مع بنك سيئ السمعة مثل "يورو كلير" وان المجال أمامها مفتوحا لإسناد أمر التعامل على "الدين الحكومي المصري" لمؤسسات مصرفية عالمية مشهود لها بحسن السمعة -وما أكثرها- وانها أصبحت ملزمة أمام الرأي العام المصري بالإعلان عن الأسباب التي جعلتها تقدم على التعاون مع مثل هذا البنك القذر، وإلا فلا تلوم الحكومة إلا نفسها عندما يفسر الأمر على نحو غير صحيح.
وعند "مدبولي ومعيط" الخبر اليقين.