رئيس التحرير
عصام كامل

هل ينحاز الدستور لحقوق المرأة مثل الرجل؟


تلجأ الشعوب لضمان تقدمها بوضع الدساتير الحاكمة، حيث تتسابق الشعوب فيما بينها لوضع دستور يسمو بالنفس الإنسانية ويكفل لها الحقوق والواجبات، ويضمن مستقبلا جيدا للأجيال القادمة.


ومن بين تلك الدساتير الدستور المصري والذي اهتم عبر سنوات تطوره منذ دستور ١٩٢٣ وحتى ٢٠١٤ بالحرية، واتجه مؤخرًا للاهتمام بشكل مباشر بحقوق المرأة والتي فرضت نفسها على الساحة إزاء القضايا المعاصرة التي استجدت في مجتمعنا، نتيجة الظروف المادية والسياسية والمكانة التي تبوأتها المرأة في الآونة الأخيرة، ومن ثم فقد لزم معالجة كافة تلك الجوانب عند وضع الدستور أو تعديله.

للأم حقوق مثل الرجل في "النسب" و"منح الجنسية" لأن التصاق الطفل بأمه هو التعبير الصادق عن العلاقة الربانية بين كائنين متصلين حسيًا، وجاء دستور 2014 ليمنح المرأة المصرية المزيد من الحقوق، ويؤكد على المساواة بينها وبين الرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتنص المادة 10 من الدستور على أن الأسرة، أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها، كما تنص المادة 11 على أن تكفل الدولة المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور.

ونعلم أن الدولة تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا، وغيرها من المواد الدستورية والقوانين التي سمحت ومكنت المرأة من خوض تولي مناصب قيادية لم تتولها من قبل، وأنصف القضاء المرأة المصرية كـ"أم" وأرسى مبادئ لأول مرة تساوي بين الأم والأب في تقييد أبنائهم ومنح الجنسية وغيرها.

كما أن حرمان الأم المتزوجة عرفيا من أن يكون لطفلها وثيقة ميلاد باسم والده بموجب عقد زواجها العرفي يعد نوعًا من الإيذاء البدني والنفسي للأم، وعدوانًا على أهم ما منحه لها الدستور من حقوق، وأن القول بغير ذلك يهدم كل معاني المساواة في الحقوق المدنية والاجتماعية بين الرجل والمرأة.

كما أن مساواة المرأة بالرجل في شتى مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بات أمرًا لازما لتقدم المجتمع ورقيه، وأن التصاق الطفل بأمه هو التعبير الصادق عن العلاقة الربانية بين كائنين متصلين حسيًا أحدهما في قيد الحياة والآخر في الأحشاء، وذلك الاندماج الوجداني والجسدي هو الذي جعل المشرع الدستوري يلزم الدولة بتوفير الحماية والرعاية للأمومة والطفولة، وليس ذلك تقليلًا من الأب ولكن تعظيمًا لشأن الأم ودورها الحيوي والجوهري في تنشئة الأطفال ورعايتهم.

ويضاف إلى ذلك التأكيد على أن المرأة المصرية كانت وما زالت سندًا للرجل في كفاحه ضد الاستبداد على مدار ثوراته في التاريخ، خاصة منذ أوائل القرن الماضى حتى الآن، سعيًا للحرية وبلوغًا لأواصر الديمقراطية، وضربت للرجل مثلًا في القدوة والوطنية، وغدت مصابيح الحضارة المصرية في النضال والتضحية، وكان دورها في تنمية المجتمع عنصرًا فاعلًا بعد أن ذاقت القهر والمهانة والاضطهاد في عصور الظلام، على الرغم من أنها الكوكب الدرى الذي يستنير به الرجل وبدونها لا تستقيم الحياة، فهى في الحق تاج الخليقة ومكونة المجتمع، فلها عليه سلطة المشاركة، فلا يعمل فيه شيئا إلا بها ولأجلها.

وكان حريًا بالرجل ألا يستأثر بجنى ثمار الحرية، وأن يهدهد من أطماعه العاتية لتبسط المرأة يديها الحانية فتشاركه قطوفها الدانية، وما من ريب في أن ما تعطيه المرأة لأسرتها من الفضائل الكريمة وآداب السلوك يؤثر حتمًا على حسن اضطلاعها بالوظائف العامة التي تقوم بها، ما يستوجب على كافة المسئولين بالدولة ألا يتغافلوا تجاه المرأة عن كفالة التوازن والتوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، وهو ما ارتقى به المشرع الدستورى ليضحى من الحقوق الدستورية الأصيلة للمرأة.. وللـحـديـث بـقـيـة.
الجريدة الرسمية