لماذا لا يلتزم الناس بقانون المرور؟
حادث التصادم المروع بين سيارة نقل وأتوبيس للركاب أعلى الطريق الدائري بمنطقة مؤسسة الزكاة، راح ضحيته خمسة أشخاص وأصيب ١٥ آخرون، يعيد إلى الأذهان التساؤل الخاص بعدم التزام قائدي السيارات والميكروباص والنقل بقواعد المرور بشكل عام وبالسرعات المقررة بشكل خاص، لتكتشف ببساطة أنك في سيرك، ويجب أن تكون بهلوانًا إن أردت أن تنجو بسيارتك سواء كنت بمفردك أو مع عائلتك.
فالطريق الدائري في مصر أشبه بسباقات السيارات، الكل يسرع والكل يخرج عن يمينك ويسارك دونما استخدام لإشارات السيارات، وإن قللت من سرعة سيارتك لتتناسب والسرعة المطلوبة ستحصل على نظرات من الضجر ممن حولك وورائك من قائدي السيارات، وغالبا ما يكون ذلك مصحوبًا بصوت نفير السيارة التي وراءك، فقائدها يستنكر فكرك المحدود الذي قرر أن يلتزم بالسرعة وبالحارة التي تسير فيها، ثم يشير لك غاضبًا طالبًا منك التنحي يمنة أو يسرة، ثم يضحك عليك إذا شاهدك تقود وقد وضعت حزام الأمان.
والحقيقة إنك تحت ضغط الشعور بأنك كائن غريب على الطريق الدائري قد تضطر للإسراع لأن الجميع يشعرك أنك المخطئ.
لا أعرف عدد المرات التي تم تعديل قانون المرور فيها، وما عدد مواد التهديد والوعيد في حالة عدم الالتزام بقواعد السرعة وغيرها من القواعد. قائدو السيارات يلتزمون أحيانا عندما تنتشر سيارات المرور أعلى الطريق الدائري، ولكن قلما يحدث أن تجد سيارات المرور ثابتة أو متحركة، وبدلا من ذلك تستعين إدارات المرور بنقاط تفتيش وهي في رأيي المتواضع عديمة القيمة إلا في التحقق من وجود رخصة قيادة ورخصة سيارة سارية المفعول.
إذا أردت أن تقلل من حوادث المرور وأردت تحقيق انسيابية مرورية بحيث يلتزم كل قائد سيارة بالحارة التي يسير فيها، فعليك تعليم الناس ثقافة الالتزام بالقانون.
هناك أسباب مختلفة لعدم التزام الناس بالقانون:
أولا، عدم الربط بين الالتزام بالقانون وبين الانتماء. التزامك بالقوانين يشكل نوعا من الانتماء وبخاصة إذا كان القانون بعضه أو كله مرتبط بصورة البلد. فالتزام الناس بقوانين السير والقيادة يعطي صورة ذهنية جيدة عن مصر على أن مواطنيها منظمون وأنها ليست بلد يشوبها الفوضى.
ثانيًا، البعض يرى القانون قيدا على حريتهم بدلا من رؤيته إنقاذا لهم من الأخطاء أو من الأخطاء التي تؤذي الآخرين. البعض يدرك أهمية الالتزام بقواعد السرعة المقررة بعد أن يفقد قريبًا له في حادث.
ثالثا، البعض يعرف أن هناك من يخرقون القانون ولا تتم محاسبتهم- فكم من السيارات التي يملكها من يحكمون بالقانون أو من تكون مهمتهم تطبيق القانون، وهم يخالفون قواعد السرعة وتكون سياراتهم كالصندوق الأسود لا ترى منها شيئًا، ومعاليهم يعرفون أنهم يخالفون القانون نفسه الذي يطبقونه على غيرهم. هذه الازدواجية تجعل بعض قائدي السيارات ينتشون عندما يخالفون القانون، لأنهم يشعرون أنهم ليسوا أقل ممن هم في مناصب.
على الدولة أن تتقنع أن الالتزام بالقانون ثقافة، وأنك إن ذهبت إلى دولة متقدمة مثل كندا مثلا لرأيت قائدي السيارات يتوقفون عند علامات التوقف دون وجود إشارة مرور، ودون وجود رجل مرور. ثقافة الالتزام بقوانين المرور مثل تربية النشء تحتاج لوقت، الضرب وحده قد يخيف ابنك ويجعله يخالفك كلما أتيحت له الفرصة.. الثقافة تحتاج إلى وعي ووقت، وعلى الدولة أن تعي ذلك إن أردت شعبا منظمًا ومتحضرًا.